تفوق تحليلات الدويري | كتب: سليمان السرور
نشر في 12 يناير 2024
الشَّمسُ تَهوي نحو المَغيب بسرعةٍ والأجواء تزدادُ برُودةً والحاجّ عيـــد يُسابقُ الوقت ليُنهي بعض التّرتيبات التي يُجريها كُلّ ليلة، كعَزْل "البَهَم" عن أمّهاتها والتّأكّد من بعض النّعاج المُحتَمل أن تلد هذه اللّيلة، وكذلك إغلاق باب "الحوش" بطريقةٍ يصعب فَتحهُ إلّا لِمَنْ أغلَقَهُ. يُنهي مهمّتهُ ويعود حاملًا على كتفهِ حزمة من الحطب وينادي من بعيد: -"العَشا مطوّل؟" ثُمّ يشعل النّار وهو يعيد السُّؤال مرّةً تلو مرّة، وما أنْ أتَمَّ إشعال النَّار وطال لهيبُها حتّى أقبلَتْ ابنته الصغيرة وهي تحملُ صحنًا واحدًا وتضعهُ أمام أبيها فينظرُ إلى الصّحنِ ثم يبتسم ويقول: -خُبَّيــزة؟ عادت ابنته الصغيرة مرّةً أخرى وهي تحملُ الخُبز وبرتقالة، وجلسَتْ مُتَّكِئَةً على رُكبة أبيها وبدأت تُقشِّرُ البرتقالة ثُمَّ تعصُر قشرها باتّجاه النّار، فأُثارها فضول الأطفال عن سبب خروج اللّهب المُلوّن ما بين الأخضر والبنفسَجيّ، فترفعُ وجهها الصَّغير إلى وجه أبيها وهي تَرقُبُ مَسار لُقمَتهِ من الصّحن إلى فَمه وتسأله: - "أيش هذا؟" يَستعجلُ أبوها لقمتهُ وتَزداد وَتيرة المَضغِ كأنّه يُعِدُّ جوابًا لابنته، وبعد الابتلاع يقول لها: - "اللّعب في النّار حرام" هو لا يملك جوابًا أو تفسيرًا لسُؤال ابنته، وكذلك لا يريد أن يبقيها دون أجابة، وبهذا الجواب وضع حدًّا لإعادة السُّؤال مرّةً أخرى وَبَرَّأ نفسه من العَجز عن الرّد، وما هي إلّا دقائق حتى قال لها: -" الحمد لله… وَدّي الصّحن لأمكي" لم يغب عن بال الحاجّ عيد أنّ جارَهُ وعدهُ بالمجيء الليلة للتّعليلة عنده، وهذا الجار يُعدُّ من مُتابعي الأخبار والأحداث في العالم، ومصدر معلومات مهمّ، ولديه تحليلات سياسيّة وعسكريّة تفوق تحليلات "الدّويـري" واستنتاجات من أقوال الحُكّام وماذا قالوا في لقاءاتهم السِّرّيّة، وماذا سيفعلون وماذا يُخطّطون، ومَنْ اتّفق مع مَنْ، ودائمًا يتكهّنُ الحرب في نهاية حديثه، كما أنّهُ مطّلعٌ على كلّ صغيرة وكبيرة على الصّعيد المَحلّي فيما يخص التّأمين الوطني ومُستجدّاته وأسعار الحلال والقَشّ والدينار والدولار. نبحَ الكلبُ نَبحةً واحدةً ثُمَّ وقفَ يَتَمَطَّى كالذي يعتذرُ عن فِعلتهِ، كيف لا وهو يعرف القادم معرفةً لا يخطئها إلّا سهوًا. نعم، هو أبو سالم جارُ عيد. ومن بعيدٍ يُسمَعُ دَبيبُ بُسطارهِ المُتناغِم مع نَحنَحاتهِ المُتواصلة، وبعد أن طرح السّلام وتَموضَعَ بينَ "المَراكي"، بدا كأنّهُ تَحَصَّنَ جيّدًا عن البرد، "فَرْوَة" وتحتها "الدِّيبون" وعدد من "الجَرَازي" وكوفيّة بيضاء فوقها "الشّماغ" وعليه قُبّعة كبيرة من الصُّوف.