تغيَّرنا… ولم نُغيِّر واقعنا

بقلم: رائد أبو القيعان | 13.12.2025

لم نعد كما كنّا، ولم نصبح كما يجب أن نكون.

تغيَّرنا بدل أن نُغيِّر، وتحولنا دون أن نحوِّل واقعنا إلى الأفضل.

في الزمن الماضي، كانت العادات والتقاليد تشكّل درعًا أخلاقيًا يحمي المجتمع، وكانت القناعة أسلوب حياة، والرضا بما قسمه الله قيمة راسخة، تُمارَس الطاعة في السر قبل العلن. لم تكن القوانين المكتوبة هي الحاكمة، بل منظومة أعراف متينة حفظت التوازن الاجتماعي، وصانت الكرامة، وفرضت هيبةً نابعة من احترام الذات قبل الخوف من العقاب.

وليس ذلك ببعيد.

نساء عرب النقب كنّ يتغنّين بجمال القَنْعة، ويرتدينها حياءً ووقارًا، في سلوك يعكس رقيًّا أخلاقيًا واحترامًا متبادلًا. كان الجلوس جانبًا عند مرور الرجال تعبيرًا عن تقدير النفس والآخر، لا ضعفًا ولا تخلّفًا كما يحاول البعض تصويره اليوم.

لكن المشهد تغيّر.

تحوّل ذلك اللباس من رمزٍ للقيم إلى غطاءٍ يتخفّى خلفه من يرتكب الأخطاء والجرائم، واتخذه بعضهم ستارًا لا يمتّ لتراثنا ولا لأخلاقنا بصلة. الأخطر من ذلك أن هذا السلوك لم يَعُد محصورًا، بل تسلل إلى فئة الشباب، بل وإلى شخصيات ذات مكانة اجتماعية، فتشوّهت الرموز، وفقدت معانيها، وابتعد المجتمع عن جذوره.

نحن اليوم أمام مفارقة مؤلمة:

نتراجع أخلاقيًا رغم توفر إمكانيات اجتماعية واقتصادية وتعليمية لم يحظَ بها من سبقونا. ومع ذلك، أخطأنا في الاختيار، ولم نُحسن التفكير، فدفعنا ثمن التسرّع، وغياب البوصلة، وتراجع الوعي الجمعي.

من هنا، لا بد من وقفة صادقة.

إن مسؤولية الإصلاح لا تقع على جهة واحدة، بل هي مسؤولية جماعية تبدأ من الفرد ولا تنتهي عند المؤسسة. المطلوب اليوم هو تعاون حقيقي على البرّ والتقوى، وتصحيح جاد للمسار، بعيدًا عن الشعارات والخطابات الموسمية.

أولًا، نحن بحاجة ماسّة إلى نشر الوعي داخل المجتمع النقباوي، ومواجهة مظاهر الفساد، خصوصًا تلك التي تنخر العائلة الواحدة، إلى جانب التنبه لمخططات واضحة تدفع بالمجتمع نحو مزيد من التفكك والعنف إن لم يتم التصدي لها بعقلانية وحزم.

ثانيًا، لا بد من بناء خطة وحدوية مشتركة، تقوم على الوعي والبناء والإعمار، وتحمي الهوية، وتتعامل بحكمة مع كل من يحاول العبث بأمن المجتمع واستقراره، دون تبرير للعنف أو تغطية للخطأ.

أما مسلسل الدم المتواصل،

فهو الخطر الأكبر، ووقفه واجب الساعة. لا يجوز الصمت أمام نزيف القتل الذي ينهك نسيجنا الاجتماعي. الوقوف إلى جانب العائلات المنكوبة، أهل المغدور وأهل القاتل معًا، ليس تبريرًا للجريمة، بل محاولة واعية لوقفها، وتجفيف منابعها، ومنع تكرارها.

وفي هذا السياق، تقع المسؤولية الأكبر على عاتق رجال التأثير في مختلف المجالات: القيادات الاجتماعية، التربوية، الدينية، والإعلامية. فهؤلاء مطالبون بأن يكونوا في مقدمة صفوف الإصلاح، وأن يحملوا راية التوعية والمسؤولية، لأن المجتمعات لا تنهض بالصمت، ولا تُبنى بالحياد.

نحن بحاجة إلى شجاعة أخلاقية تعترف بالخطأ، وتعمل على تصحيحه، قبل أن نجد أنفسنا غرباء عن قيمنا، وأسرى لواقع لم نختره، بل صنعناه بأيدينا.

^الكاتب من مهجري أم الحيران في النقب

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة2007 ، يرجى ارسال رسالة: editor@yomalbadya.com - واتس-آب 972549653332

للحصول على الأخبار أونلاين تابع قناة يوم البادية على الواتساب WhatsApp