حتى نلتقي - كلاب مسعورة
بقلم: يوسف أبو جعفر | 13.12.2025
استوقفني المشهد؛ عشرات الكلاب كأنها عشيرة تتنقّل في الغابة. لا أفهم النظام الذي تعيش فيه، لكنها تُركت في الغابة بعد أن كانت أليفة وتكاثرت. في البداية، حقيقةً، تشعر بالخوف؛ فقد تكون جائعة فتهاجم أحدنا. نظراتُ الخوف باديةٌ في عيوننا التي تراقب القافلة، أو قُل المجموعة. ما زالت الكلاب ترقبنا بعين المتوجّس الخائف، وصاحبي يقول بعين الغادر.
لم نبتعد كثيرًا حتى رأينا مجموعةً أخرى في زاوية أخرى. هذه الكلاب كانت في يومٍ ما أليفة وأنيسة وحارسةً لبني البشر. ما الذي حدا بهم أن يجنوا عليها؟ أم ترى أن الأمر غير ذلك؟
هناك كلاب لا تألف النظام، وقد لا تألف كثيرًا من الأشياء، فتعود إلى طبعها الأساس: تهرب، تغادر، تترك. وقوانين حماية الحيوان تعطيها الفرصة ألا تُقتل أو يُطلَق عليها النار.
هي مصدرٌ للأمراض إذا اختلطت بحيوانات الغابة ولم تحصل على الرعاية الطبية. ولذلك —كما يقول صاحبي— نخاف من الكلاب، ولكن الخوف من الكلاب المسعورة هو ما يقلق. الكلاب المسعورة مريضة، وتصرفها غير طبيعي كالكلاب الأليفة، وهي مصابة بمرضٍ ينتقل للإنسان: داء الكَلَب، وهو خطير للغاية ونسبة الموت فيه عالية.
سألتُ صديقي: إذا كان مميتًا للإنسان، فماذا بالنسبة للكلب؟ قال: لا أعرف، ولكن إذا كان الكلبُ المسعور هو صاحبَ داء الكلب، فواضح أن هناك تأثيرًا. الكلب المسعور خطِر جدًا، وفي مرحلةٍ ما لا بد من قتله، أو يقتل نفسه من خلال مواجهته للكلاب الضالة.
قلتُ له: لماذا لا تقول “برّية”؟ واخترتَ كلمة “ضالة”! قال: هي ضالة، ليست برية. الكلاب البرية لا تأنس بالبشر، أما هذه فضالة، وقد تلاقي من يعتني بها فتعود.
ما زالت عيوننا تراقب الشجر، فقد نفاجأ بمجموعة أخرى كبيرة، ضالة أو مسعورة. قال لي: يبدو أنك غرقتَ في المدنية. الكلاب المسعورة —حتى الكلاب الضالة— لا ترافقها، لأنها كثيرة الصراعات والقتال مع غيرها. لذلك الكلابُ المسعورة تسير لوحدها، لا ترافق أحدًا، فهي في عداد الموت.
بعد قليل سنخرج بالدراجات الهوائية خارج الغابة، وهذا أعطاني أملًا أن معركتنا الوهمية مع الكلاب الضالة أوشكت على الانتهاء. أشرتُ إليه ضاحكًا، وقد علت الشمس قليلًا لتعطي الغابة جمالًا وللأشجار ظلًا: هل هناك احتمال أن تكون “سُربة” كلّها مسعورة؟
ضحك بصوت عالٍ: لا أعتقد… ربما، والحقيقة لا أعرف، ربما، ولكن أرجو ألا يكون ذلك، لأن معنى ذلك “سُربة مجانين مطلوقة”.
أطلقت لفكري العنان للحظة حول مقارنة ممكنة بين كلاب مسعورة وبني البشر فلم أجد أسهل من النباح المتواصل قد يشير نحو بعض أساليب البشر ولكننا أشرفنا على نهاية المسار المشجَّر، نباح الكلاب لم يعد مسموعًا، وصرير عجلات الدراجات والهواء يضرب الوجوه. هواء الخريف الصباحي بعد المطر يحمل رائحةً خاصة: رائحة التراب المغسول بمياه المطر، عبق الأمل والحب.
وحتى نلتقي… عندما تركبون دراجاتكم في ساعات الصباح، احذروا الكلاب الضالة والمسعورة على الأخص؛ فهذه الأخيرة يصعب أن نعرفها من شكلها، وهي لا تُصرّح عن نفسها أنها مسعورة، فقط يمكنكم الوثوق أن مجموعة لا يمكن أن تكون مسعورة قد تكون ضالة فالكلب المسعور وحيد ينبح ويهاجم لا يتوقف.