حتى نلتقي - أمثال

بقلم: يوسف أبو جعفر (أبو الطيّب) | 9 نوفمبر 2025

لفتَ انتباهي هذا الأسبوع طريقةُ تفكير بعض البشر المتنفِّذ، صاحب القرار المسؤول. وجدتُ أنه في عالم المنطق المصلحة العامةُ تطغى على المصلحة الخاصة، ولكن ذلك منوط بمن يقول هذا الكلام وحول ماذا. فعندما نتكلّم عن زهران ممداني نجد المديحَ والميلَ للقدراتِ والخبرةِ وحتى عاملَ العِرق والدين. ولكن عندما نتحدّث عن أنفسنا يصبح القرارُ منوطًا بكثيرٍ من العوامل: ماذا أريدُ أنا ومجموعتي؟ وهكذا في دوائرَ ضيِّقة.

عندما يصبح في الأمر منافسةٌ تنقلبُ المعادلةُ. هنا يدخل عنصرُ: ماذا سيحصل الآخرون من وراء هذه المفاوضات أو التنافُس؟

ما يهمّنا نحن العرب غالبًا ليس ما سنحصلُ عليه، بل ماذا سيحصل الآخرون مقارنةً لنا؟ فكلّما كان خوفنا أكبرَ من أن يحصل الآخرُ على حصةٍ أكبرَ منا وقفنا سداً منيعًا، ليس من باب المصلحة العامة، بل الضيقةِ جدًّا: وهي كيفَ ستبدو الأمورُ عندنا. العربُ لهم أمثالٌ لكلّ شيء، حتى للمحبَطين والمحبِّطين (الأولى بالفتح، والثانية بالكسر). استحضَرْتُ بعضها: «مصيبةُ الكلّ مش مصيبة» أو إن شئتم «حطّ رأسَك بين الرّؤوس وقطّع يا قطاعَ الرّؤوس». أما المثل الثالث، وهو الأكثر عمقًا، فهو: «بيقتل القتيل وبيمشي في جنازته».

ما يؤلمُ هو أننا نعود أضعفَ في كلِّ مرةٍ نفكّرُ بها بهذه الطريقة؛ فلا المنطقُ يحكمنا ولا العقلُ، بل فقط الخوفُ من أن نظهرَ في موقعِ الخاسر أمام المنافس، ولا يهمّنا لو كان المنافس هنا أولى أو أقدرَ على ترتيب الأمور.

ولذلك، حتى لا نضعَ أنفسَنا في موقعِ المتَّهم، نهتمُّ بإخراجِ المسرحيةِ بشكلٍ نعيشُ فيه التفاصيلَ تمامًا؛ فتُخطَّطُ الجريمةُ ونتركُ القاتلَ بعيدًا عن الأضواء، وننادي في وسطِ المسرح: أين القاتل؟ نعم، أين الأموالُ المسروقة؟ أين المصلحةُ العامة؟ أين القيادة؟ وهكذا دواليك. وأنتم لتعلمون أنّ في كلِّ منطقةٍ من بلادنا عنصرًا فاسدًا أو أكثرَ؛ كما يقول المثل: «حلوُ اللسانِ قليلُ الإحسان» — يظهر بمظهرِ المبشِّر وهو المنفر، المصلِح وهو الفاسد، الجامِع وهو المُفرِّق، المقتول وهو القاتل، الصادق وهو سيدُ الكذب؛ سريعُ التقلُّبِ والتودُّدِ، لا يخلطُه الناسُ شكٌّ فيه، وفوقَ رأسِه تحومُ شبهاتٌ تغطّي الأفقَ.

هكذا، دون خجلٍ، استولى هؤلاء على أهمّ المحطّاتِ في زمنِ التفاهة: على أبواقِ التفاهة، على منصّاتِ الحديثِ الذي لا ينتهي عن المصلحةِ العامة، وهم بالأمسِ من طعنها في ظهرها وأحيانًا في صدرِها وأمام الملأ.

يمكنكم أخذُ حديثي في السياسة، في الفن، في العملِ — في كلِّ المجالاتِ التي كمجتمعٍ نحن بحاجةٌ إليها. ولذلك لا أعجبُ من إعجابِنا بممداني، لكنّي أعرف أنّ بيننا مئاتِ الممداني الذين قتلناهم، وآلافَ الذين أجهضناهم قبل مولدِهم. ثم نقفُ أمام مشاهدِ العالمِ وننادي: انظروا كيف ينطلقُ العالمُ ولماذا لسنا مثلَهم؟

وحتى نلتقي، أمامَ ممداني تحدّياتٌ كبيرةٌ جدًّا؛ أهمّها محاولةُ إفشاله حتى لا يُعتَبَرَ قدوةً تمحى بها نمطيّةُ التفكيرِ والصورةُ القاتمةُ عن الشرقِ والإسلام؛ وكذلك الواقعيّةُ دون آمالٍ كبيرةٍ — ليس لأنّه لا يستطيع، بل لأنّ الطريقَ وعِرةٌ، وما أكثرُ الذين يعرفون أمثالَ العربِ في نيويورك.

عندنا نريدُ فقط أن يكونَ لنا فجرٌ جديدٌ لا نتكالبُ فيه على المنصب، بل فعلًا أن يكونَ العنوانُ الحقيقيُّ مصلحةَ الشعبِ المقهورِ المغلوبِ على أمرِه، الذي يحلمُ بعروسِ بحرٍ ويخشى أن تولدَ قِردَه

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة2007 ، يرجى ارسال رسالة: editor@yomalbadya.com - واتس-آب 972549653332

للحصول على الأخبار أونلاين تابع قناة يوم البادية على الواتساب WhatsApp