هل أصبحنا شركاء في الجريمة؟ مجتمع يشيع قتلاه ويبرر صمته
كتب: كايد أبو الطيف | سلسلة كفى للعنف 5 | 25 أكتوبر 2025
في تقريرها السنوي لعام 2023، كشفت الشرطة عن ارتفاع بنسبة 8% في عدد الاعتقالات الجنائية مقارنة بالعام السابق. ولكن خلف هذه الأرقام تكمن مفارقة قاسية. أقل من نصف المعتقلين فقط انتهى بهم المطاف مع لوائح اتهام، فيما عاش الباقون تجربة الاحتجاز ثم أُفرج عنهم دون تهمة.
هذا الواقع يثير تساؤلات جوهرية. هل الاعتقال أداة لمحاربة الجريمة، أم أنه تحول إلى وسيلة لفرض سلطة غير متوازنة على المجتمع؟ حين يصبح سلب الحرية إجراءً روتينيًا، تتلاشى الثقة بالعدالة، ويترسخ الخوف كواقع يومي، بينما يبقى الأمن الحقيقي بعيد المنال.
باتت السيطرة الفعلية على الشارع العربي تنتقل تدريجيًا إلى جهات أخرى. لم نعد نتحدث عن جيوب إجرامية معزولة، بل عن منظومة جريمة منظمة تتغلغل في كافة جوانب الحياة. الاقتصاد، فرض الإتاوات على التجار، الهيمنة على العقود والمناقصات، التحكم بسوق العقارات. اصافة إلى التأثير على قرارات المجالس المحلية، وتوجيه الانتخابات لمصالح إجرامية. إلى جانب اختراق المدارس وتجنيد الشباب، ما يجعل الجريمة تبدأ في عمر مبكر.
لم يعد أحد في مأمن، كل صاحب مشروع، وكل عائلة، وكل شاب يجد نفسه عرضة للتهديد المباشر أو غير المباشر. نحن أمام واقع لم يعد فيه القانون هو المرجعية المطلقة، بل من يملك القوة ويفرض نفوذه بلا رادع.
الدولة ترد على تصاعد الجريمة بحملات اعتقال ومداهمات، لكن هذه السياسات لم تفلح في تفكيك المنظومة الإجرامية. بينما يزداد عدد المعتقلين، تبقى لوائح الاتهام قليلة، ما يعكس ضعف الأدلة وعدم القدرة على تقديم ملفات قانونية قوية ضد المجرمين الفعليين. يرى أحد الباحثين أن "الملاحقات الأمنية ضرورية، لكنها ليست كافية. الجريمة المنظمة ليست مجموعة أفراد، بل اقتصاد موازٍ له نفوذه وأدواته. إذا لم يُعالج هذا التغلغل بسياسات اجتماعية واقتصادية حقيقية، فإن الحملات الأمنية ستبقى مسكنات مؤقتة".
الأمر لم يعد إحصائيات عن الجريمة، بل بات يتعلق بتفكك خطير في النسيج الاجتماعي. حيث تحل لغة العنف محل القانون، ويصبح الصمت هو الوسيلة الوحيدة للبقاء. حتى المدارس لم تعد محصنة، إذ تتغلغل العصابات داخلها، تفرض قواعدها الخاصة، وتجند الشباب قبل أن يتشكل وعيهم.
ورغم ذلك، هناك من يرفض الاستسلام. لجان شعبية، مبادرات شبابية، حملات جماهيرية تستعيد المجال العام، تحاول كسر حاجز الخوف، وإعادة بناء الثقة بين الناس. لكن هذه الجهود تواجه تحديات هائلة، في ظل غياب الدعم المؤسسي الحقيقي، وتراكم الإحباط من وعود لم تتحقق.
هل يستسلم المجتمع لمنطق القوة الذي تفرضه الجريمة المنظمة؟ أم أنه قادر على استعادة زمام المبادرة، رغم كل الصعوبات؟ استعادة الأمن لا تعني فقط مطالبة الدولة بالتدخل، بل تبدأ من الداخل. من إعادة بناء الثقة بين الناس، من كسر دائرة الصمت، من رفض التعامل مع العنف كأمر واقع لا مفر منه. إما أن نستعيد السيطرة على حياتنا، أو نقبل العيش في مجتمع تحكمه قوانين غير مكتوبة، حيث العنف فوق العدالة، والخوف فوق الحرية.