لماذا صار القتل لغة مجتمعنا؟

بقلم: سالم الأعسم | 5 أكتوبر 2025

في كل بقاع الأرض، يحمل عيد الأضحى المبارك رمزية عظيمة؛ أربعة أيام من العبادة والفرح والتكافل، يُذبح فيها القليل من الأنعام ليُطعم الفقراء وتُفرح القلوب. لكن في مجتمعنا العربي، المشهد مقلوب تمامًا: كل يوم يتحول إلى "ضحية" جديدة، ليس على مذابح الطاعة والبركة، بل على أجساد الأبرياء الذين يسقطون ضحايا لجرائم القتل والعنف.

لم يعد يمر يوم من دون خبر مؤلم: شاب في مقتبل العمر قُتل، طبيب تمت تصفيته، أب أُعدم أمام أطفاله، إمرأة قتلت بظروف غامضة ودون ذنب، أو عامل لم يعد إلى بيته. باتت دماء الناس تُراق بلا حساب، حتى كدنا نفقد الإحساس ببشاعة الفاجعة. وكأن أرواحنا الرخيصة صارت أضاحي يومية لمجرمين يعيثون فسادًا بلا خوف ولا رادع.

الأدهى من ذلك أن الضحايا ليسوا غرباء عنا، إنهم من لحمنا ودمنا: أطباء درسوا سنوات لينقذوا الأرواح، شباب اجتهدوا ليبنوا مستقبلهم، أمهات وآباء يعيلون عائلاتهم. جميعهم أصبحوا أهدافًا سهلة أمام رصاصات غادرة. في المقابل، يعلو صوت "الهمل" والمجرمين الذين وجدوا في غياب الردع وتقصير السلطات بيئة خصبة للتمدد والسيطرة.

إن المفارقة الصادمة أننا صرنا نذبح أبناءنا يوميًا ونقدّمهم قربانًا على مذابح الجريمة المنظمة، وبدل أن تكون الحياة فسحة أمل، صارت امتدادًا لمسلسل طويل من المآسي.

المسؤولية هنا مشتركة وثقيلة. الدولة وأجهزتها الأمنية مطالَبة بفرض القانون بحزم، وتجفيف منابع السلاح، ومحاسبة القتلة بلا تهاون. والقيادات المحلية والمجتمعية تتحمل واجبًا أخلاقيًا وتاريخيًا في مواجهة ثقافة العنف، بدل الاكتفاء بالتصريحات الجوفاء بعد كل جريمة. أما نحن كمجتمع، فلا يمكن أن نستمر في الصمت الذي يرقى إلى شراكة في الجريمة. فمن يسكت عن دماء الأبرياء اليوم، قد يجد نفسه أو أحد أحبائه على لائحة الضحايا غدًا.

لقد آن الأوان أن نعيد تعريف "الأضحية" الحقيقية: ليست دماء أبنائنا، بل تضحياتنا في سبيل بناء مجتمع آمن، عادل، يحمي الضعفاء ويصون حياة الشرفاء. إذا لم نفعل، فسوف تظل أيامنا موسمًا ممتدًا للدم، نضيف فيه كل يوم اسمًا جديدًا إلى قائمة الضحايا.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة2007 ، يرجى ارسال رسالة: editor@yomalbadya.com - واتس-آب 972549653332

للحصول على الأخبار أونلاين تابع قناة يوم البادية على الواتساب WhatsApp