النقب يحترق وإهمالنا يفتح الباب لبن غفير

بقلم: سالم الأعسم | 29 سبتمبر 2025

في قلب النقب تجري أحداثٌ لا نُحسد عليها: هدم بيوتٍ يوميًا، وضعٌ اجتماعي مزرٍ، وإجرامٌ متصاعد يُترجم بلغة السلاح. ما يجري ليس مجرد سلسلة أحداث منفصلة، بل صورة مركبة لمأزق اجتماعي وسياسي وأخلاقي نواجهه جميعًا، ويجب أن نواجهه بوضوح وجرأة.

▪️الهدم مَجْزرة يومية ضد كرامتنا

هدم البيوت ليس مجرد فقدان مأوى؛ هو اغتصاب لكرامة الإنسان ومصدر قلق دائم للعائلات والأطفال. عندما تُسحب الأرض من تحت أقدام الناس، لا يتبقى سوى ألمٍ نفسي واجتماعي يولّد يأسًا يُسهِم في تفكك النسيج المجتمعي. الإجراءات التي تُنفَّذ دون حلولٍ بديلة وبدون حوار فعّال تُعمّق الإحساس بالظلم وتزيد من حدة الاستقطاب.

▪️ومع غياب البدائل نحن نزرع الفراغ ونحصد العنف.

الأحياء التي تُهدم أو تُهمش تخلق بيئة خصبة للانحراف والجرائم. غياب فرص العمل، ضعف الخدمات الاجتماعية، وغياب مؤسسات تثقيفية وترفيهية للشباب تزيد من احتمالات الانزلاق إلى أفكار وسلوكيات مُدمّرة. عندما يصبح الحي مكانًا لا يمتلك أهله فيه أدنى مقومات العيش الكريم، يتحول اليأس إلى عنف يومي، والعنف بطبيعته لغة قصيرة الأمد تردُّ على ألم طويل الأمد.

أما إحراق المدارس فهو ليس إلا حرق للمستقبل، إحراق صفوف البساتين أو الأحراق المتعمد لمرافق تعليمية هو اعتداء مباشر على مستقبل أبنائنا. المدرسة ليست مجرد مبنى؛ هي المكان الذي تُغرس فيه القيم، وتُبنى فيه الطموحات، تخريب المدرسة يعني حرمان الأجيال القادمة من فرص التعلم، وتحويل المسار من بناء الذات وإنتاج المستقبل إلى دوّامة من الخسارة والانحراف.ولا شك أن هذا السلوك المنحرف يدمّر المجتمع من الداخل.

من جانبٍ آخر، يثور السؤال حول مَن فتح المجال لسياسات وتصرفاتٍ مثيرةٍ للانقسام ضد المجتمع العربي. الخطاب الرسمي، وقرارات وسياسات تدفع شعوبًا إلى الهاوية بدلاً من جسر الهوة بينها وبين الحكومة، وبالتالي لا تُبنى الانتماءات ولا تُقوّي الثقة المتبادلة. عندما تمنحُ الدولة أو ممثلوها مساحةً تجريبية لخطابٍ أو سياساتٍ تُمسُّ بالكرامة، فإنها تعطّل الآليات الديمقراطية لحل الصراع وتزيد من الشرخ المجتمعي. علينا أن نفهم أن أي تدهور في الشرعية الاجتماعية يولد فراغًا تستغله عناصر مُعرّضة للعنف أو التطرّف.

▪️مسؤوليتنا مشتركة ولا لوم بلا حل

لا يكفي التعريض والادانة فقط. المطلوب موقفٌ مزدوج: نقد حقيقي للممارسات المؤذية ومقترحات عملية وحقيقية. يجب أن تشمل الحلول وقف هدم البيوت بلا بدائل فورية وسكن لائق للمتأثرين، وبرامج شاملة للتشغيل والتدريب المهني للشباب، واستثمار في البنية التحتية كالمدارس والمراكز شبابية الملاعب والخدمات صحية. بالإضافة إلى فتح قنوات حوار جادة بين ممثلي المجتمع والسلطات المركزية لمعالجة الملفات الجوهرية دون لغة إقصاء، ومحاسبة كل من ارتكب جرائم بحق ممتلكات عامة وخاصة، مع تقديم بدائل تربوية وقانونية تردع ولا تُقوّض.

▪️في الختام لنعترف قبل أن يفوت الأوان...

أن الفشل في معالجة الأسباب العميقة يولّد نتائج عنيفة ومؤلمة للجميع. إننا اليوم أمام خيارٍ واضح: إما الاستمرار في دورة من الهدم والانتقام، أو تبنّي مسارٍ إصلاحي شامل يُعيد بناء الثقة ويمنح المجتمع أدواته للنهضة. التصدي للفساد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي يبدأ من داخلنا من مؤسساتنا، ومن قياداتنا، ومن كلّ فردٍ يشعر بالمسؤولية.

دعوتنا اليوم ليست لتأجيج الشحنات، بل لطلبٍ حقيقيٍ للعمل: حماية السكان، حماية المدارس، بناء بدائل، ومساءلة كل من يساهم في تفكيك نسيجنا الاجتماعي. لنكن جزءًا من الحل قبل أن يتحول ما بقي من حياتنا إلى رمادٍ لا يعيد شيءً من الماضي.

^الكاتب هو مدير راديو صوت النقب ومن سكان تل السبع

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة2007 ، يرجى ارسال رسالة: editor@yomalbadya.com - واتس-آب 972549653332

للحصول على الأخبار أونلاين تابع قناة يوم البادية على الواتساب WhatsApp