حتى نلتقي - عقول متوسطة!
بقلم: يوسف ابو جعفر | 4 يوليو 2025
في العادة، يحب الناس الحديث عن العقول الصغيرة والكبيرة، وذلك لسهولة التعريف بها. ففلان "عقله صغير"، "رأسه صغير"، بمعنى أنه لا يتعدى أوامر التنفيذ، يتبع اللوائح الضيقة، لا يتحمّل المسؤولية، وفوق ذلك كله يكرر كل الوقت نفس الروتين. لا يمل ولا يشعر بالتعب من تكرار الأمر، وهمومه لا تتعدى أرنبة أنفه.
النوع الثاني هو العقول الكبيرة، تلك التي تقود الميادين المختلفة. تراها ذكية، مبدعة، متخصصة، ولا ترى إلا الإبداع والنشاط دون توقف. هؤلاء، في الغالب، يكونون الصف الأول في التطور والمعرفة والاجتهاد والسير قدمًا. قد يكونون أصحاب رؤية وقادة، وقد يكونون رأس المال البشري والاجتماعي، وبين هذا وذاك أذكياء بدرجة تؤهلهم لمراكز مرموقة في المجتمع.
ومن الطبيعي أن هاتين الفئتين هما الأقل عددًا في كل المجتمعات، لكنهما الأكثر ظهورًا وتأثيرًا على المنظمات والمؤسسات. فالثاني، بقدرته، يأخذ كل مؤسسة إلى الأعلى، أما الأول فقد يحطمها تمامًا. الأول بيروقراطي بحت، ليست النتيجة مهمة بالنسبة له بل الطريقة والإثبات.
من هنا نواجه إذًا حقيقة صعبة: كيف تنمو المنظمات؟ كيف تنجح؟ والمقصود هنا كل الأطر من أبسطها إلى الدول. لذلك، لاحظ كثير من الناس غياب العنصر الثالث، وهو الأكثر انتشارًا والأقل ذكرًا في الحياة، لا ننتبه له لكنه موجود: العقول المتوسطة.
فإذا كانت العقول الكبيرة ترفع الأداء وتزيد التميّز – وفي هذا الباب كُتب الكثير – والعقول الصغيرة تأخذ الإطار للأسفل وربما إلى النأي عن المؤسسة، فإن العقول المتوسطة هي التي تثبت الإطار، هي التي تعطي القدرة على الاستمرار، هي التي تقوم بالعمل ولو مع تأخير، تدرك المسؤولية وتتحملها إلى حدٍّ ما.