هندسة الوعي العربي: دور المستشرقين ومراكز التفكير في خدمة المشروع الاستعماري

بقلم: طلب الصانع | 21 يونيو 2025

ما يميّز الدول الاستعمارية الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل، ليس فقط تفوقها العسكري أو التكنولوجي، بل قدرتها على إنتاج المعرفة الموجّهة عبر مراكز أبحاث ومؤسسات تفكير (Think Tanks) تمارس دورًا مركزيًا في صياغة السياسات وصناعة القرار.

القرارات في هذه الدول ليست انفعالات لحظية أو نزوات سلطوية، بل نتاج عصف ذهني منظّم يقوده مفكرون ومختصون في مجالات التاريخ، الاجتماع، النفس، الاقتصاد، والدين – بمن فيهم المستشرقون – الذين يدرسون المجتمعات العربية والإسلامية لا من باب الفضول الأكاديمي فقط، بل خدمةً لمشروع استعماري طويل المدى.

♦️أولاً: من القومية إلى الإسلام السياسي – التوظيف الاستراتيجي للفكرة

خلال القرن العشرين، وظّف المشروع الغربي عدة أدوات فكرية لإعادة تشكيل المنطقة:

1. دعم الحركات القومية العربية لتفكيك الدولة العثمانية، بحجة "التحرر القومي"، ونجحوا بذلك في إسقاط آخر مظاهر الوحدة الإسلامية السياسية.

2. ما إن تحوّل المشروع القومي إلى خطر فعلي – خصوصًا في عهد عبد الناصر – حتى بادرت الدول الاستعمارية إلى دعم الإسلام السياسي كقوة موازية لتقويض هذا المشروع التحرري.

3. لاحقًا، دعمت الثورة الخمينية في إيران، ليس حباً بالشيعة، بل بهدف تغذية الصراع السني–الشيعي، وتحويل الصراع مع الاستعمار إلى صراع داخلي مذهبي.

♦️ثانيًا: استراتيجية "اصطناع الخطر" وتدوير أدوات الهيمنة

تتكرر نفس الديناميكية:

• دعمت الحرب العراقية–الإيرانية لتصفية القوة العراقية والإيرانية معاً، ومن ثم فتحت الطريق لصدام لغزو الكويت لتُسقطه لاحقاً بحجة “تحرير الخليج”، وتُدخل جيوشها إلى دوله.

• دعمت الحركات “الجهادية” في أفغانستان لمحاربة الاتحاد السوفييتي، ثم وصمتها بالإرهاب لاجتياح دول أخرى تحت شعار “محاربة التطرف”، فتم تفكيك عدة دول (العراق، ليبيا، سوريا، اليمن…).

• استُخدمت شعارات مثل "الخلافة الإسلامية" أو "الديمقراطية" كأغطية ناعمة لإعادة هندسة المنطقة وتفتيت الدول المقاومة للمشروع الصهيوني–الأمريكي وتحويلها إلى دول فاشلة.

♦️ثالثًا: من الصراع المذهبي إلى الوصاية الأمنية

المرحلة المقبلة – كما تشير كل المؤشرات – تتمثل في إغلاق ملف الصراع السني–الشيعي، بعد استنفاد أغراضه، والتوجه نحو تسويق إسرائيل كـ"الضامن الأمني الإقليمي"، بديلاً عن أمريكا.

وهكذا:

• يُستبدل الخطر الإيراني بالخطر الداخلي (التطرف، الفوضى، الجوع)،

• وتُعرض القواعد الإسرائيلية كحماية لدول عربية، بحجة الاستقرار،

• وتُحوّل الجيوش العربية إلى أدوات شرطة داخلية بلا سيادة.

♦️رابعًا: فشلنا هو في اللاوعي لا في الضعف

ما يحدث ليس وليد اللحظة، بل نتيجة نجاح العدو في هندسة وعينا، وفي استغلال حركات داخلية، وشخصيات، وإعلام، ومفكرين مأجورين – وأحياناً مخلصين دون وعي – لخدمة هذا المشروع.

وقد نكون نحن، عن غير قصد، شركاء في إنجاح مخططه عبر التبني الأعمى لشعارات جاهزة، أو بالدخول في صراعات فرعية تُنهكنا وتُحيّدنا عن معركة التحرر الأساسية.

♦️الخاتمة: الوعي هو سلاح التحرر الأول

حماية المنطقة لا تبدأ بالتحالفات الأمنية ولا بالمليارات التي تُنفق على التسلّح، بل بإعادة تشكيل الوعي الجمعي، واسترداد البوصلة.

• القضية ليست إيران أو تركيا أو حتى أمريكا.

• القضية هي المشروع الصهيوني – الأمريكي الذي يسعى لجعلنا تابعين لا شركاء، ومنطقةً مُستهلكة لا مُنتجة، ووعيًا منقسمًا لا مقاومًا

📌الكاتب هو رئيس لجنة التوجيه العليا لعرب النقب

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة2007 ، يرجى ارسال رسالة: editor@yomalbadya.com - واتس-آب 972549653332

للحصول على الأخبار أونلاين تابع قناة يوم البادية على الواتساب WhatsApp