حتى نلتقي.. عز وشموخ

بقلم: يوسف أبو حعفر | 30 مايو 2025

كعادتي بدأت أتفرّس الوجوه، فالوجوه في صمتها تُحدّثنا بكلمات العيون، ببريقها أو بذبولها، بيأسها أو أملها.

في البداية، كانت مليئة بالقلق. رأيتُ العيون قلقة، فبعد قليل ستكون البداية، ويبدأ التحدي.

رأيت وجوه الناس تروي رواية حقيقية، في عيونهم القلق الذي جاء من الألم، والظلم الذي تجمع عليهم، مع قسوة العيش.

رغم ذلك، كانت عيونهم تقول: هذه الجباه راسخة كالجبال، لا تقبل الظلم، ولن تطأطئ إلا لله.

بين الجموع، كانت هناك وجوه عرفناها، وأخرى كثيرة جديدة، وجوه لم أعهدها من قبل، أعمارها كعمر زهور الربيع.

تبتسم، وتجتمع، وتتحرك مع ريح النداء، تهزها الكلمات فتستجيب:

"لن نرحل، لن نُقتلع".

هكذا، بالهوينا، بدأ القلق بالاختفاء.

المئات بدأت تتحوّل إلى ألوف، غالبها زهور تلبس السواد، كأنها في حداد، كأنها في حزن، في ألمٍ ليس عبثًا، فهي تعيش ذلك كل يوم.

لا تدري: أتصحو وقد جاء من يريد اقتلاعها، أو من يريد أن يطأها بقدمه؟

رويدًا، تتعالى الأصوات.

الوجوه بدأت تروي حكاية جديدة، قصة الأمل، قصة صراع البقاء، التحدي في الانضباط الآن، والاستمرار غدًا.

ولأول مرة، لم يعد مهمًا من يتكلم، إنما من حضر.

نعم، من حضر قرر أن لا عودة للماضي، لا مكان للوقوف جانبًا.

يكفي، بعد هذه السنوات العجاف، ننتظر أعوامًا يُغاث فيها الناس.

لقد كان المشهد جميلًا، حتى لم يعد مهمًا من المتكلم، ومن يرفع الشعارات، فالقلوب بدأت تنبض بدم الشباب من جديد.

بهمةٍ أحييتَ النقب، وأعدتَ إلى الأذهان كل عزةٍ وفخر، وأن هذه بداية الطريق.

ومن الخوف إلى الأمن:

من يقول: "عشرون ألفًا"، ومن يقول: "دون ذلك"، أو "أكثر".

أما أنا، فأجزم أن الأعداد كبيرة، ولكنها ليست الأهم.

فعيون الناس بدأت تشتعل سعادةً وإيمانًا، وتقول:

"نعم، نعم، نستطيع تغيير حالنا وقدرنا".

لقد وُلد النقب من جديد، يخطو خطواته الأولى نحو وعيٍ جديد، نحو تحدٍّ حقيقي.

كانت الرسالة: نعم، فلتتوقف الحياة يومًا أو أكثر، نعم، لنقتسم الحزن والحب، نعم، نقف معًا دون هوادة، دون وجل، وبكل الخير.

قد يحاول المُخذِّلون، قد يحاول بعض مَن يرون أن السطر الأول لم يعد كسابق عهده، لكن ذلك ليس مهمًا، إن كان الوعي مصاحبًا لكل الحراك نحو القرار الأخير.

لقد كُتب التاريخ أمس بصفحة من مجد، ولكنه المحطة الأولى “لِنلتقي”.

نعم، فمشوار الألف ميل قد بدأ منذ زمن، وقد تخطينا النصف، فلذلك، ما بقي يحتاج إلى همةٍ، وقوة، وعدم الالتفات إلى الخلف، والسير نحو الهدف.

وحتى نلتقي،

في طريق العودة، شاهدت الوجوه الضاحكة، المستبشرة بالخير.

لم يعد القلق سيد الموقف، لقد تبدّل إلى أملٍ نحو حراك جماهيريٍّ كامل، نحو نقبٍ جديد.

لم يهمس أحد خوفًا، لقد كان طرق النعال على الشارع الرئيس أقوى من صوت الطبول.

لقد سمع من كان خلف الجدران، لقد أسمعنا من صُمَّت آذانهم عن سمعنا، ومن ظنّوا أننا بين سكان القبور.

قلنا لهم: موعدنا حراك الكرامة، موعدنا نقب الشموخ. ينشدون:

“إذا الشعب يومًا أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة2007 ، يرجى ارسال رسالة: editor@yomalbadya.com - واتس-آب 972549653332

للحصول على الأخبار أونلاين تابع قناة يوم البادية على الواتساب WhatsApp