تراجم العلماء | البروفيسور عامر سالم أبو قرن: ريادة فكرية في الاقتصاد وتنمية شرق أوسطية
كتب: كايد أبولطيّف | 8 مايو 2025
الأستاذ الدكتور عامر أبو قرن، رئيس قسم الاقتصاد بجامعة بن غوريون في النقب، يُعتبر من أبرز الأكاديميين في مجالي الاقتصاد ودراسات التنمية في الشرق الأوسط. انطلقت مسيرته الأكاديمية بالحصول على درجة البكالوريوس في الاقتصاد من نفس الجامعة في 1990، وأكمل دراساته العليا، حيث حصل على الماجستير في 1995 برسالة حملت عنوان "نموذج التنبؤ الكلي للاقتصاد في الضفة الغربية وقطاع غزة"، والتي نالت تقديرًا عاليًا لأهميتها ودقتها. وفي 2002، حصل على درجة الدكتوراه من جامعة نورث إيسترن في بوسطن، وقدم أطروحته بعنوان "ثلاث مقالات تجريبية حول النمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، والتي عكست اهتمامه العميق بتحليل القضايا الاقتصادية الرئيسية في المنطقة، بما في ذلك دور النساء في سوق العمل وتأثير الصراع العربي-الإسرائيلي على النمو الاقتصادي.
تتميز أبحاث أ.د. أبو قرن بتناولها للأبعاد الاقتصادية للصراعات في الشرق الأوسط، حيث بدأ بتحليل الإنفاق العسكري في مصر وتأثيره على الاقتصاد، قبل أن يتوسع في دراسة تأثير الصراع على الاقتصاد في إسرائيل والدول المجاورة. بالإضافة إلى تقديمه رؤى مميزة حول التأثير الاقتصادي للصراعات الطويلة في المنطقة، مسلطًا الضوء على تأثيرها في النمو الاقتصادي الإقليمي.
كما تناول في أبحاثه تأثير تحرير التجارة وصدمات النفط، وقام بتحليل التغيرات الهيكلية في التجارة الدولية. واهتم بدراسة توزيع الدخل في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، مما أتاح له تقديم توصيات مبنية على أدلة علمية. إلى جانب استكشافه تأثير الانضمام إلى الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية على الاقتصاد، ودرس جدوى إنشاء اتحاد نقدي في مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
تركزت إسهامات أ.د. أبو قرن البحثية أيضًا على تقييم التغيرات الهيكلية في الإنفاق العسكري في دول الشرق الأوسط مثل مصر، إسرائيل، الأردن، وسوريا، لفهم العلاقات الاقتصادية في سياق الصراع. كما قدم أدلة تجريبية حول العلاقة بين التنمية المالية والنمو الاقتصادي في ست دول عربية، مما ساهم في تقديم رؤية شاملة عن مصادر النمو الاقتصادي في المنطقة.
يعتمد الأستاذ الدكتور أبو قرن على منهجيات تحليلية متقدمة، مثل التكامل ونماذج تصحيح الأخطاء، لتفكيك العلاقة بين الإنفاق الحكومي والعسكري والنمو الاقتصادي. واستخدام هذه الأساليب يشير إلى تفانيه في تعزيز الفهم العميق للتحديات الاقتصادية التي تواجه المنطقة، ويعكس في الوقت ذاته إيمانه بأهمية استخدام أدوات تحليلية متطورة لفهم الديناميات الاقتصادية بشكل شامل. ويقدم أ.د. أبو قرن رؤى هامة حول كيف يمكن أن تشكل هذه العلاقة ديناميات الاستقرار والتنمية في المنطقة. فكل زيادة في الإنفاق العسكري قد تُعتبر استثمارًا في الأمن القومي، لكنها في الوقت ذاته قد تُحد من الموارد المتاحة للاستثمار في القطاعات التنموية الأخرى، مما يطرح تساؤلات حول فعالية هذا الإنفاق في تحقيق النمو المستدام.
تُظهر منهجيات التحليل التي يستخدمها أبو قرن مدى التداخل بين النظرية والتطبيق في الاقتصاد. فالتكامل، على سبيل المثال، يُستخدم لتحديد ما إذا كانت السلاسل الزمنية للبيانات تتجه نحو علاقة طويلة الأمد، بينما تتيح نماذج تصحيح الأخطاء فهم كيفية تصحيح الاختلافات قصيرة الأمد في هذه العلاقة. بهذه الطريقة، لا يقتصر بحثه على الجوانب النظرية فحسب، بل يمتد ليشمل التفاعلات الواقعية التي تؤثر في حياة الأفراد والمجتمعات.
إن العمل الذي يقوم به أ.د. أبو قرن يمثل جسرًا بين المفاهيم الأكاديمية والواقع العملي، حيث يسعى إلى تقديم رؤى تمكن صانعي السياسات من اتخاذ قرارات مستنيرة تعتمد على الفهم العميق للظواهر الاقتصادية. فالأبحاث التي يجريها لا تقتصر على إلقاء الضوء على الإحصاءات فحسب، بل تمتد إلى تحليل العواقب الاجتماعية والسياسية لهذا الإنفاق على المجتمعات المحلية، مما يُعزز من الجهود المبذولة لتحقيق النمو المستدام.