النقب: الأوضاع الصحية للبنات لم تسعف الأم في وادي الخليل وتحميها من آليات الهدم الجائرة
تقرير: ياسر العقبي | 8 أبريل 2025
هنا في وادي الخليل بالنقب، انتهت ما أسموه "فترة السماح"، وبدأت معاناة جديدة. منزل بسيط يأوي أمًا وأربع بنات - ثلاث منهن يعانين من ضعف في السمع، أما الرابعة، فهي طفلة صغيرة تقاوم مرض السرطان. البيت الذي تُرك بعد تدمير كامل القرية قبل عام لأسباب إنسانية، لم يُبقَ على حاله هذه المرة. في ساعات صباح الاثنين، لم تُمهله جرافات الهدم كثيرًا. سُويت الجدران بالأرض، ولم تترك لهن الدولة لا بيتًا ولا بديلًا. والبديل الوحيد المتاح: خيمة وقبة السماء.
شاهد اللقاءات على موقع قناة "يوم البادية": نمر أبو عصا | شقيق السيدة المتضررة في وادي الخليل؛ عطية الأعسم | رئيس المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها
ما يحدث في وادي الخليل، هو ترجمة مباشرة لسياسات حكومة نتنياهو، ووزرائه سموتريتش وبن غفير، ممن يرفعون راية الاستيطان، ويمارسون هدم البيوت وتهجير السكان كأدوات عقاب جماعي وتغيير ديموغرافي. هذه العائلة ليست وحدها. نحو مئة وخمسين فردًا من عائلة أبو عصا لا زالوا يقيمون في القرية، فوق أرض يملكونها منذ عشرينيات القرن الماضي، بوثائق رسمية من المرحوم سليم الرفايعة؛ لكن ذلك لم يشفع لهم أمام الجرافات.
ليس المشهد هنا عن منزل يُهدم، بل عن مجتمع يُمزق، وعائلات تُطرد باسم "القانون"، في ظل حكومة ترى في كل بيت عربي هدفًا مشروعًا للهدم. مشهد يلخص جوهر السياسات الإسرائيلية في النقب، وسياسة مبيّتة لوزراء بلا رحمة، تحركهم أيديولوجيات متطرفة.
♦️هدم وتغريم في وادي الخليل♦️
"ما يحدث هنا هو مزيج من سلوك غير قانوني في ما يخصّ التخطيط والبناء، وغير إنساني، ويتعارض أيضًا مع القانون الإنساني"، جاء في بيان من المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها، الذي شدّد على أن مثالًا على ذلك رأيناه يوم الاثنين، في هدم منزل الأم وبناتها الأربع في وادي الخليل بالنقب، حيث كانت الجدة تعيش معهنّ، وقد ظهرت للحظة في الفيديو المنشور وهي تشاهد عملية الهدم بقلب مكسور. وتبيّن لاحقًا أن ثلاثًا من البنات لسن فقط ضعيفات السمع بل إنهنّ صُمّاء تمامًا.
المحامية حنان الصانع، مديرة المركز لتعزيز حقوق النساء البدويات في جمعية "إيتخ معكي – محاميات من أجل العدالة الاجتماعية"، والتي تتابع قضية العائلة، تقول إن عملية الهدم رافقتها خروقات قانونية. الأولى هي تجاهل أمر محكمة صادر في 2023 يقضي بتأجيل الهدم إلى حين إيجاد مسكن بديل للعائلة. والثانية هي عدم تسليم إشعار مسبق عن الهدم المتوقع قبل 14 يومًا على الأقل، الأمر الذي يمنح فرصة لتقديم طلب لتجميد أو إلغاء القرار، أو تنفيذ الهدم الذاتي كخيار أخير لتفادي تكاليف الهدم.
بناءً على ذلك، تعتزم الصانع تقديم التماس إداري باسم العائلة "ضد السلوك غير القانوني للشرطة وإدارة أراضي إسرائيل"، مطالبة الدولة بتأمين مسكن بديل للعائلة وقطعة أرض منظمة لبناء بيت دائم بترخيص. وتقول: "المعلومة الأهم هي أنها لم تتلقَّ أي إنذار، لا أمر هدم، لا شيء"، وتتابع: "قبل يومين جاء شرطي يحمل صورة منزل وقال إنهم سيهدمونه، لكنهم أخبروه أن هذا ليس المنزل المقصود، وأن ما في الصورة هو بيت شقيقها".
شقيق الأم، إبراهيم، قام يوم الأحد بهدم منزله بنفسه، وذلك بعد أن تم تجاهله أثناء هدم القرية بأكملها في 8 أيار من العام الماضي، لأن زوجته هي شقيقة أسامة أبو عصا، الذي قُتل في 7 أكتوبر بالقرب من كيبوتس "رعيم".
وبخصوص الابنة الكبرى المريضة بالسرطان، تقول حنان: "الأم كانت في مرحلة متقدّمة من العلاج لابنتها، وأخيرًا كان هناك تقدّم إيجابي، لأنه فقط حين وجدنا حلاً للسكن استطاعت أن تتفرغ لذلك. لكن منذ الأمس، انشغلت مجددًا بقضية البيت وحلٍّ لبناتها. وضع الابنة الكبرى، والطفلتين الأخريين، يستوفي المعايير التي تمنع الهدم دون توفير بديل سكني".
وبجانب الوضع المأساوي الناتج عن فقدان المأوى، والتكاليف المتوقعة لبناء مسكن مؤقت، الذي هو أيضًا، سيكون مهددًا بالهدم شهريًا على الأقل، هناك قلق من أن الأم ستتلقى ضربة اقتصادية إضافية. "من الممكن أن تواجه غرامات بعشرات آلاف الشواقل لأنها لم تقم بهدم المنزل بنفسها"، توضح الصانع. الغرامة المقصودة هي تكلفة الهدم – الجرافات، والشاحنات التي أحضرتها، والشرطة ومركباتهم. كل بند منها يكلّف مئات حتى آلاف الشواقل، والتي تتراكم عادةً إلى مبالغ تتراوح بين 30–70 ألف شيكل لكل منزل تهدمه الدولة. وتلخص الصانع قائلة: "ما يحدث هنا هو مزيج من سلوك غير قانوني في ما يخصّ التخطيط والبناء، وغير إنساني، ويتعارض أيضًا مع القانون الإنساني".