النقب: هدم المساجد في القرى مسلوبة الاعتراف ضمن نقاش بين أجهزة إنفاذ القانون الإسرائيلية
تقرير: ياسر العقبي | 6 فبراير 2025
هدم المسجد في قرية وادي الخليل في النقب في أيار العام الماضي، أدى إلى تصاعد الجدل داخل أروقة الحكم وأجهزة إنفاذ القانون في إسرائيل.. خطوة أشعلت نقاشا حادا عقب التماس قدمته منظمة استيطانية، للمحكمة المركزية في بئر السبع، وطالبت بإصدار أوامر لهدم تسعة مساجد في القرى غير المعترف بها.
شاهد التقرير على قناة "يوم البادية" واللقاءات مع: عطية الأعسم | رئيس المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها؛ سلطان أبو عبيد | مدير شتيل في بئر السبع
التطورات تكشف انقساما واضحا؛ هيئة إنفاذ قوانين الأراضي والنيابة العامة رفضتا الهدم، معتبرتين أن المآذن لا تشكل عائقا للتخطيط العام. في المقابل، نيابة لواء الجنوب انحازت إلى جانب موقف منظمة "رغفيم" الاستيطانية، مدعومة من أحزاب اليمين المتطرف مثل "عوتسماه يهوديت" و"الصهيونية الدينية".
ورفضت هيئة إنفاذ قوانين الأراضي هدم مآذن تسعة مساجد غير قانونية في التجمعات البدوية بحجة أن "الهدم لا يحمل أهمية عامة خاصة". ورغم دعم النيابة العامة الوطنية لهذا الموقف، فإن نيابة لواء الجنوب دعمت قرار الهدم، حيث صرّح أحد ممثليها خلال جلسة داخلية: "بُنيت مساجد غير قانونية، ونحن لن نفعل شيئًا؟ هذا يثير عدم ارتياح شديد".
في سبتمبر الماضي، قدمت حركة "رِغفيم" التماسًا إلى المحكمة المركزية في بئر السبع للمطالبة بهدم تسعة مآذن جديدة، بزعم أنها بُنيت بشكل غير قانوني في القرى مسلوبة الاعتراف شرق بلدة تل السبع في النقب. وأدعت المنظمة الاستيطانية أن المآذن بُنيت في توقيت متقارب، وبألوان وتصاميم متشابهة، مما قد يشير إلى وجود نية وتصميم مسبقين.
وجاء في الالتماس الذي قدّمه المحامي آفي سيغال: "الجهات المسؤولة عن فرض قوانين التخطيط والبناء في إسرائيل والنظام العام تتنصل من مسؤوليتها، وتسمح للمخالفين ببناء دور عبادة عامة خلافًا للقانون".
نقاش قانوني حول الهدم داخل وزارة القضاء
خلال جلسة داخلية عقدتها النيابة العامة، نشب جدل بين القانونيين حول ما إذا كان يجب هدم المساجد. ونظرًا لهذا الخلاف، تقرر رفع المسألة إلى المستويات العليا في وزارة القضاء الإسرائيلية للبت فيها.
أثناء الجلسة، قدمت إحدى ممثلات النيابة حجج مقدمي الالتماس، قائلة: "الالتماس يشير إلى ظاهرة واسعة ومنظمة ومنهجية لبناء المساجد والمآذن البارزة، بهدف السيطرة على الأراضي، توسيع نطاق القرى، وخلق تواصل جغرافي بينها، إضافة إلى وضع رموز واضحة من بعيد تشير إلى استيطان غير قانوني، مما يشكل انتهاكًا واضحًا لسيادة الدولة"، على حد تعبيرها.
وأضافت وهي تستعمل تسويغات المنظمة المتطرفة: "نظرًا لكون هذه الظاهرة تشمل ثمانية مساجد جديدة تم بناؤها في فترة متقاربة وبنفس التصميم، فمن الممكن أن تكون هناك جهات قومية تعمل بطريقة منظمة ومنهجية وراءها. هذه الطريقة تُعرف باسم 'المئذنة والمسجد'، وقد تطورت في المنطقة".
على الجانب الآخر، قادت هيئة إنفاذ قوانين الأراضي معارضة هدم المآذن، حيث صرحت ممثلتها خلال الجلسة: "لا يوجد اهتمام عام خاص بالتنفيذ. الأولويات التي تحددها الهيئة تشمل التخطيط والبنية التحتية الوطنية، كما أن إنفاذ القانون في النقب يركز على التسوية أكثر من الهدم".
وأيّدت ممثلة النيابة العامة الموقف نفسه، قائلة: "في هذه الحالة، لا يوجد 'اهتمام عام خاص' يستدعي الإنفاذ، كما أنه لا توجد 'إجراءات تنفيذية تدعم التسوية'. لذا، لا يمكننا تقديم طلب للهدم إلى المحكمة".
اختلاف في المواقف بين الأجهزة الحكومية
خلال الجلسة، عرضت ممثلة وزارة الأمن القومي – التي كانت مندوبة للوزير المتطرف والعنصري ايتمار بن غفير - وجهة نظر مختلفة، حيث قالت: "أقترح تفسير 'الاهتمام العام الخاص' بحيث يشمل بناء مآذن متعمدة تُرى من بعيد كرموز دينية، وإضافة تصنيف جديد لمباني العبادة التي تحمل رموزًا سيادية وتوسّع حدود التجمعات السكانية".
فردت ممثلة النيابة العامة: "لا أعرف أي سابقة قانونية تدعم وجود 'اهتمام عام خاص' فيما يتعلق بمبنى ديني".
بدوره، أعرب ممثل نيابة لواء الجنوب عن دعمه للهدم، قائلا: "إضافة مئذنة إلى مسجد يشكل دافعًا لإنفاذ القانون. هناك توسيع واضح للبناء القديم من خلال البناء الجديد". ورد عليه ممثل هيئة إنفاذ القوانين: "المئذنة مجرد إضافة بسيطة مقارنة بالمسجد ذاته". لكن ممثل النيابة رد قائلًا: "ما الذي ننوي فعله؟ لا شيء؟! بناء مسجد جديد خارج القرية وإضافة مئذنة إليه يثير إشكاليات كبيرة. منطقيًا، هناك عنصر في المسجد يشير إلى 'رفع العلم الأحمر'. في قرية بها ستة مساجد، ثم يُبنى مسجد جديد مع مئذنة، فإن ذلك يبدو إشكاليًا للغاية".
قرار وزارة القضاء لا يزال قيد المداولات
بحسب مصدر في وزارة القضاء، فإن النيابة العامة وهيئة إنفاذ قوانين الأراضي لا تعارضان مبدئيًا هدم المساجد غير القانونية، حيث تم بالفعل هدم ثلاثة مساجد مماثلة في النقب خلال الأشهر الأخيرة. وأضاف المصدر أن القرار النهائي في مثل هذه القضايا يعود إلى النيابة العامة للدولة، وأن هيئة إنفاذ قوانين الأراضي ستنفذ أي قرار تتخذه النيابة.
ردود فعل سياسية
عقب نشر هذه التطورات، أعرب وزير الأمن القومي المستقيل إيتمار بن غفير عن غضبه، متسائلًا: "كيف يمكن الدفع باتجاه هدم كُنس يهودية في مدن مثل بني براك، بينما تُترك المساجد غير القانونية قائمة؟ هذه سياسة غير مقبولة".
وزعم بأن هناك تمييز واضح في هذه القضية حيث ادعى: "لا يمكن أن يكون هناك تمييز واضح بين المباني اليهودية والمباني التابعة للمجتمع العربي". كما طالب الوزير بتوضيحات فورية من رئيس هيئة إنفاذ قوانين الأراضي، أفي كوهين، قائلاً: "يجب أن يكون تنفيذ القانون متساويًا وواضحًا، بدون تحيّز".
تصريحات النيابة العامة وهيئة إنفاذ القانون
في بيان صادر عن النيابة العامة، أوضحت أن "اجتماعًا تمهيديًا قد عُقد بين مختلف جهات إنفاذ القانون، ولم يتم بعد اتخاذ موقف نهائي بشأن الالتماس، وتم تحديد اجتماع إضافي بعد استكمال جمع البيانات المطلوبة".
أما هيئة إنفاذ قوانين الأراضي، فقد أصدرت بيانًا قالت فيه: "خلال نقاش داخلي بشأن الالتماس، أوضحت جميع جهات الإنفاذ الأدوات المتاحة لها للتعامل مع المباني غير القانونية في التجمعات البدوية. وتطرقت الهيئة إلى شرط 'الاهتمام العام الخاص' الذي يتطلبه القانون لإصدار أمر قضائي بالهدم، وفقًا للمادة 239 من قانون التخطيط والبناء. الدولة لم تحسم موقفها بعد بشأن الالتماس، وهي في مرحلة جمع البيانات اللازمة".
وأضاف البيان: "علاوة على ذلك، فإن المبنى موضوع الالتماس لا يقع على أرض حساسة من حيث التخطيط مثل منطقة مفتوحة محمية أو طريق عام، ولا يعيق أي تخطيط مستقبلي، كما أن هناك إمكانية لحل قانوني بشأنه".
بعد هذا النقاش المحتدم داخل الدوائر الحكومية الإسرائيلية، تم هدم مسجدين؛ الأول في قرية أم رتام، والثاني في قرية أم الحيران، التي سبق تهجير سكانها قسرا ليستبدلوا بمستوطنين – من بينهم نجل وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش.
تساؤلات كثيرة تُطرح اليوم: هل سيستمر مسلسل هدم المساجد في القرى العربية؟ وإلى أين تتجه قرارات الحكومة الإسرائيلية بشأن هذه القضية؟
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة2007 ، يرجى ارسال رسالة: editor@yomalbadya.com - واتس-آب 972549653332