تصريحات أردوغان والنداء الأخير لبشار الأسد

بقلم: د. أسامة رشدي | الجمعة 6 ديسمبر 2024

التطورات الأخيرة التي حدثت في سوريا، بعد عملية رد العدوان وسرعة تحرير إدلب وحلب وحماة بالطريقة التي فاجأت العالم، جعلت الأنظار تتجه جميعها إلى أنقرة.

تركيا، بحكم الجغرافيا والتاريخ ووجود جزء كبير من الشعب السوري على أراضيها، هي المعنية الأولى بالأزمة السورية منذ بداية الربيع العربي في عام 2011.

فالحدود المشتركة التي تمتد لأكثر من 900 كيلومتر مع سوريا، والمخاطر التي ترتبت على أمن تركيا القومي بفعل الحرب، وتدفق اللاجئين، وتهديد نشوء كيانات تعتبرها تركيا معادية، كل ذلك جعلها البلد الأكثر تأثرًا وتأثيرًا فيما يجري في سوريا، البلد الذي تربطها به أواصر تاريخية وروابط دم ومصالح متبادلة.

أثبتت تركيا أنها حليف موثوق به، كما عهدها دائمًا؛ عندما تتعهد، فإنها تنفذ. وقد أثبتت ذلك في ليبيا وقطر وأذربيجان والصومال، حيث أوفت بوعودها وحققت إنجازات. وعلى النقيض من ذلك، خذلت بعض الأنظمة العربية الثورة السورية. تلك الأنظمة وعدت بتحرير دمشق وإسقاط الأسد، لكنها غررت بالمعارضة السورية، ثم انقلبت عليها ووضع قادتها أيديهم في النهاية في يد جزار سوريا، بشار الأسد، داعمين للنظام الذي مارس الإبادة ضد شعبه. لا تزال تصريحات هؤلاء محفوظة، شاهدة على نفاقهم وتقلب مواقفهم.

احتضنت تركيا أربعة ملايين مهجر سوري، ورغم الضغوط الكبيرة التي دفع بسببها حزب العدالة والتنمية الحاكم ثمنًا سياسيًا مكلفًا أثّر على أغلبيته البرلمانية وخسارته البلديات الكبرى، إلا أن موقف تركيا تجاه المهاجرين لم يتغير. ظلّت تركيا حريصة على حل الأزمة السورية بشكل يضمن عودة اللاجئين إلى بلدهم بكرامة وأمان، وهو موقف يصعب المزايدة عليه.

هذه المواقف الكاشفة عن ضعفه السياسي كانت دليلًا على أنه "أسد من ورق"، يستند إلى القوات الأجنبية والمليشيات التي جلبها لإبادة شعبه

كلنا تابعنا الدعوات المتكررة للرئيس أردوغان للقاء بشار الأسد بوساطة الرئيس بوتين لإيجاد حلول سياسية للأزمة. ومع ذلك، قابل بشار هذه الدعوات بتعالٍ وغطرسة، واضعًا شروطًا مسبقة لعقد أي لقاء. هذه المواقف الكاشفة عن ضعفه السياسي كانت دليلًا على أنه "أسد من ورق"، يستند إلى القوات الأجنبية والمليشيات التي جلبها لإبادة شعبه. وعندما اختلت حسابات داعميه وانشغلوا بشؤونهم، انهارت قواته كبيوت العنكبوت.

الأنظار تتجه الآن إلى تركيا، خاصة بعد تصريحات الرئيس التركي الأخيرة في مكالمته مع الأمين العام للأمم المتحدة، والتي أكد فيها على ضرورة إيجاد "حل سياسي عاجل" للأزمة السورية. قد يكون هذا النداء الأخير لبشار الأسد ونظامه.

ورغم ذلك، يبدو من المستحيل لعاقل أن يرى لبشار دورًا في مستقبل سوريا بعد الجرائم التي ارتكبها في حق شعبه. يبدو أن دعوة أردوغان تهدف إلى إعادة إحياء آلية سلمية لانتقال السلطة، تتيح تشكيل حكومة تعيد المهجرين بأمان وتجري انتخابات حرة تشرف عليها الأمم المتحدة، كما نص قرار مجلس الأمن رقم 2254.

ينبغي أن تتوقف الدعوات لإرسال مليشيات لدعم نظام دمشق، وأن تتركز الجهود على تنفيذ نداء أردوغان لإيجاد مخرج سلمي يُجنّب سوريا المزيد من الدمار ويعيد الأمل لشعبها ببناء دولة ديمقراطية تتسع لكل مكوناتها.

الثوار الذين حرروا إدلب وحلب وحماة أرسلوا رسائل واضحة بخطابهم الراقي ونواياهم الطيبة التي لمسها الشعب السوري في المناطق المحررة. دعونا لا ننخدع بحجج الإرهاب التي يستخدمها المغرضون لتبرير دعم القمع. ما يجري في سوريا اليوم هو امتداد للربيع العربي الذي بدأ سلمياً وسُحق بوحشية، لكنه عاد اليوم يبشر بفجر الحرية لسوريا.

ليس من حق أحد أن يلوم الشعب السوري على اختيار الوقت المناسب لتحرير مدنه. هذا الشعب كان يستعد لهذه اللحظة منذ سنوات، ولن يرحم التاريخ من يسعى لدعم نظام بشار بعد كل الجرائم التي ارتكبها.

سوريا تستحق الحرية، وشعبها أحق بها.

^عربي21

<