حتى نلتقي - تسونامي
بقلم: يوسف أبوجعفر (ابوالطيب) | الجمعة 6 ديسمبر 2024
لطالما شغلني التفكير في قضايا التغيير، وأعتقد أن هذا يعود في المقام الأول إلى اهتمامنا وقلقنا حول المستقبل. تشخيص الواقع موضوع خلافي، لكن الخلاف يقع ضمن حيز معقول بين "جيد" مع زيادة أو نقصان، و"سيء" أو "أسوأ" طبقًا للحالة المُشخصة. لذلك، القضية الكبرى هي الخلاف حول المستقبل وإلى أين يتجه سهم التغيير.
في حالة التغيير الإيجابي، لا قلق ولا خوف، أما في التغيير السلبي فتكمُن المخاطر والعقبات. هناك نوع من البشر نظرتهم سوداوية، تفكيرهم سوداوي، لا يحبون الشمس، ووظيفتهم الأساسية هي الخذلان. هذه الفئة ليست بالضرورة جاهلة أو فقيرة؛ بل على العكس، قد تستلم زمام القرار وفي يدها القدرة على التغيير، لكنها محبطة مهزومة، أو في أحسن الأحوال تستفيد من استمرار حالة الضياع والركود والفوضى. هذه المجموعة قد تركب سيارات فخمة وتتحدث بلغة فصحى، لكنها تخذل ولا تدعم. همها الأول والأخير هو مكانتها، ولتذهب بقية الأمور إلى أي وجهة، فهي لا تؤمن بأن التغيير سيأتي يومًا، وإن جاء، ففي زمن غير زمنها.
التغيير لا يحدث فجأة؛ الزلازل وحدها تأتي دون إنذار، وزلازل التغيير الاجتماعي كذلك، تظهر على شكل أحداث ضخمة وكبيرة تجعلنا نصحو لننظر حولنا ونبحث عن طريق للهروب. نحن بالقرب من الساحل، الحقيقي والمجازي، وأقرب ما نكون إلى خط المواجهة مع كل التدني القيمي المجتمعي الذي أوصلنا إلى انتظار الزلزال. وربما قد جاوزنا ذلك ونحن الآن ننتظر التسونامي القادم.
التسونامي يجتاح الساحل ويحطم في طريقه كل شيء بلا قاعدة صلبة. كل هش وضعيف يزول. يغير البناء، يغير المعالم المؤقتة، ويجتاح حتى لا تبقى سوى معالم قوية التصميم والبناء. قد يبدو للوهلة الأولى أن حجم الدمار كبير، وقد يُعتبر ذلك نوعًا من الظلم، خصوصًا أن أرواحًا كثيرة قد أُزهقت وأموالًا كثيرة قد ضاعت. لكن هذا هو التسونامي؛ عندما يأتي، يكون الإنذار قصيرًا، وكل من في الساحل سيتضرر بقدر حجم الزلزال الذي سبقه.
ويبقى السؤال: هل وقع الزلزال بالفعل؟ هل ما يمر به العالم من عدم إنصاف وظلم وتشريد وتجويع وحروب هو مقدمة لزلزال أم أنه الزلزال ذاته؟ في كلتا الحالتين، نحن نقترب من التسونامي الذي يجب أن نراه بوضوح.
منذ أيام، وقفت أمام شاطئ البحر. كانت الإشارات والتوجيهات في كل مكان للمستجمين حول طريق الهروب من التسونامي. لا أدري كم منا شاهدها وضحك في سره قائلاً: "أي تسونامي؟" نستبعد كل المصائب والحوادث التي تغير وجه البشرية، لكنها تأتي في كل مرة بشكل جديد. ربما نضحك، لكن من يستعد يدرك أن الأهم هو القاعدة الصلبة المبنية على أساس متين، قوي لا تؤثر فيه أمواج التسونامي العاتية.
ربما من المضحك المبكي أننا نبحث عن الزلازل وننسى الخطر الذي يأتي بعدها. ماذا سيبقى غدًا؟ ماذا سنترك خلفنا؟ أم سيمضي كل شيء ليخلو الجو لعلماء الأنثروبولوجيا والآثار ليبحثوا بمعاولهم الصغيرة عن بقايا ما تركناه بعد التسونامي؟
أنا شخصيًا أجزم أننا قد تعدينا مرحلة الزلزال. لا أحلم، ولكني واقعي. أشاهد ما يحدث من اختلال في المفاهيم والعدل والقيم. الله لن يرسل رسلًا من جديد، لكنه يرسل قوى تفتك ببعضها البعض. نحن في فترة يشعر فيها العاقل بالضعف أمام المغريات وأمام الجهل المسيطر. والتحدي الحقيقي هو كيف نقف أقوياء أمام التسونامي القادم.
وحتى نلتقي، من الغريب أن كلمة "تسو-نامي" تبدو في العربية وكأنها تهدئة لطفل قبل النوم، بينما نحن نغط في نوم عميق، نحلم بالحرية والعدل والحياة الآمنة الكريمة، وحولنا ترتجف الأرض. وعندما نسأل ما الذي نراه ونسمعه، نصدق أنها رقصات الفرح، لكنها في الحقيقة هدير الموج القادم من عمق المحيط.