حتى نلتقي.. ترامب وبني الأحمر
بقلم: يوسف أبو جعفر (أبوالطيّب) | الجمعة 8 نوفمبر 2024
في ظل فوز ترامب برئاسة أمريكا، والأمر ليس بغريب فقد فاز بمرة سابقة، يبقى في الذهن سؤال قلة من المتابعين طرحته، كيف تضيع وتذهب القوة والهيمنة؟ ما الذي يحيط ويجري لقوة عظيمة كي تهرب منها كل أدوات الحكم؟
عندما وقف القيصر يقول على أطراف الشام وداعًا لا لقاء بعده لدولة فتية بعد، ربما في بداية عمرها العسكري والسياسي، عندما تنهار دولة كسرى التي كانت تناطح الروم، ما الذي جرى داخل هذه الدول العظيمة والمنظومات الإنسانية الضخمة لتضيع فجأة؟ وكأنها بدون مقدمات.
في الحقيقة القضية في نظر كثير من الناس تسمى سنن التبديل ويمكن أن نقول إنّها قضية ربانية لمن يريد وليس في ذلك مانع، إنما أن نضيف للتوسعة أن سنن الله لها قوانين وعلامات يراقبها البشر بشغف يحاولون من خلالها استشفاف المستقبل.
ونحن هنا نحاول فهم هذه المنظومة، وحتى لا يغلب علينا خطاب الغيبيات، نريد أن نحلل ما نفهمه، فالإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس كانت تتنفس وتضرب وتحطم كل شي قبل اقل من مئة عام (بريطانيا العظمى) وإيطاليا موسوليني وألمانيا بسمارك الحديثة كانت وما زالت بشكل أو أخر تعيش بجوهر مختلف، قد يقول البعض أن العالم تغير شكلًا إلا أنه بقي مضمونًا وواقعًا في مركز القرار، لذلك نعيد مثالًا أخر كيف لدولة بني أمية ذات الحضارة الأندلسية أن تسقط هكذا؟ أمام سلاطين ودول ضعيفة، كيف لدولة بني العباس أن يجتاحها التتار والمغول في ليلة يحطموا بغداد؟ القضية أكبر من تبديل قوة ومكانة، لذلك هذه مادة للتفكير الشاهد وليس الغيبي.
الحقيقة التي تغيب عنا في الغالب هي كيف يصل بعض الناس إلى الحكم وهم لا يصلحون بتاتًا له، هذه هي الحقيقة، كيف لدولة كأمريكا أن تجعل من ترامب رئيسًا؟ كيف لألمانيا أن يصل إلى سدة الحكم هتلر؟
موسوليني في إيطاليا، ابن العلقمي مستشارًا خائنًا، دولة بني الأحمر يحكمها ملوك ضعاف وهكذا دواليك، في نظري العلة في من يتولى شؤون الدولة هم السبب الأول في ضياع القدرة والسيطرة على مقدراتها، وكل منظومة تخرج ما فيها،أو بفصحى العرب الإناء ينضح بما فيه.
منظومة القيم الامريكية والألمانية بغض النظر عن موقفنا منها تغيرت أو ظهرت على حقيقتها، الأمريكيون لا يريدون أن تحكمهم امرأة ولو كانت عبقرية، والمال والقرار يجتمعان على غير ما يريد الأمريكي صاحب الدستور البسيط، العدل والإنسانية وهذه الكلمات الكبيرة لا مكان لها عندما يهيمن المال- للمعلومة أضعف حلقة في الحكم في أمريكا هي الرئيس- ولذلك يبقى سؤال آخر دون إجابة التغيير الذي يجري هو قديم أم حديث؟
إن المقارنة بين دولة بني الأحمر في غرناطة وحكم ترامب قد تبدو غبية بعض الشيء ولكن بنظرة المتفحص لكي تنتهي الهيمنة والقوة لابد من ضعف في الحلقة الأعلى وليس بالضرورة الأقوى، والحلقة الأعلى سدة الحكم، تولى الحكم من هم ليسوا أهلًا له ولذلك طغى على المنظومة قرارات الضعف، قد يقول أحدهم أن ترامب الحلقة الأضعف ولكنه سيكون بداية المنزلق لأن المنظومة كلها أضاعت البوصلة، فبغض النظر من يقود فمن يقرر من هو القائد أصبح في ضياع قيمي ولا تعنيه سوى لقمة العيش ومن يوجّه الأمر هي شركات عملاقة أخطبوطية التنظيم والذكاء والتفكير المحسوب لها لا عليها.
وعودة إلى بني الأحمر أخر ملوك غرناطة زمن العزة والازدهار أتى بملوك ضعاف وقيم غريبة ومنظومات عجيبة أدت إلى ضياع الملك رغم كل الإمكانات والتحصينات لاستمرار الحكم تقول الأم عائشة الحرة ما ينسب لها "أبك كالنساء ملكًا لم تدافع عنه كالرجال" رغم أن الرواية ليس عليها إجماع وأن الصراعات الداخلية أخذت منحىً قتل فيه الحاكم من اختلف معه أو حتى شك في ولائه.
وحتى نلتقي، لقد تطورت أليات السيطرة ولكنها لن تخرج عن نمط التبديل والتغيير، الخطر يأتي من حيث المأمن، التصدع يحدث دون أن ينتبه أحد، وعنصر المفاجأة لن يختفي فقط يأتي بقوة وعنف، لم يحلم غورباتشوف أن منظومة الإصلاح البريسترويكا سوف تنهي الاتحاد السوفييتي في غضون سنوات قليلة، ذهب بني الأحمر وغادر التتار بغداد ورحل شاوتشيسكو وكل أباطرة العالم وسيرحل ترامب ومن يدعم ترامب ومنظومات العالم المهيمنة.