تراجم العلماء| أ.د. عارف أبو ربيعة.. رائد الأنثروبولوجيا ودراسات الشرق الأوسط في النقب

كتب: كايد أبولطيّف | 3 نوفمبر 2024

يُعد البروفيسور عارف أبو ربيعة، المعروف بـ"أبو الأمير"، واحدًا من أبرز الرواد في مجال الأنثروبولوجيا ودراسات الشرق الأوسط في النقب. يتمتع بمسيرة أكاديمية غنية وإسهامات مميزة في دراسة المجتمعات الشرق أوسطية، حوض البحر الأبيض المتوسط، شمال إفريقيا، والمجتمعات الإسلامية في الغرب. بصفته أستاذًا في قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة بن غوريون بالنقب، قاد أبحاثًا عميقة ركزت على مجموعة من القضايا المهمة والمتنوعة.

من أبرز إنجازات البروفيسور أبو ربيعة أبحاثه التي تناولت الطب التقليدي والبديل في المجتمعات البدوية، بالإضافة إلى دراسة العادات الاجتماعية والرمزية الثقافية لأضرحة الأولياء الصالحين في المنطقة. تميزت أبحاثه بتناول مواضيع مثل التصوف والقانون الطبي الإسلامي والأخلاقيات الطبية، مما جعل إسهاماته مرجعًا أكاديميًا مهمًا في فهم هذه الجوانب.

من أهم مؤلفاته كتابه الرائد "الطب التقليدي بين البدو في الشرق الأوسط"، الذي قدم فيه فهمًا شاملاً ومفصلاً للتقاليد الطبية المتوارثة في المجتمعات البدوية، وكيف تتداخل هذه التقاليد مع الثقافات والمعتقدات المحلية. يعد هذا الكتاب إحدى الدراسات المتميزة التي تجمع بين البحث الأنثروبولوجي والدراسات الثقافية في فهم الطب التكميلي والبديل ضمن سياقات مجتمعية خاصة.

على مدار مسيرته الأكاديمية، حصل أبو ربيعة على العديد من الجوائز المرموقة، مثل جائزة بيرلسون للتفاهم والعيش المشترك بين العرب واليهود، التي تعكس التزامه ببناء جسور التفاهم بين الثقافات المختلفة. كما حصل على منحة فولبرايت الرفيعة في الولايات المتحدة، مما أتاح له تطوير أبحاثه على نطاق عالمي والتواصل مع باحثين دوليين.

لم تقتصر إسهامات البروفيسور عارف أبو ربيعة على الأبحاث الأكاديمية، بل امتدت إلى شغل مناصب قيادية بارزة، كان لها تأثير عميق في توجيه دفة البحث العلمي وتطوير المناهج الأكاديمية. كرئيس لقسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة بن غوريون، لم يكن دوره مجرد إدارة أكاديمية تقليدية، بل كان ممارسة نقدية مستمرة لإعادة النظر في الأسس النظرية والمنهجية التي تُدرَّس من خلالها ثقافات الشرق الأوسط. من خلال هذه المسؤولية، سعى أبو ربيعة إلى تفكيك الثنائيات الكلاسيكية بين "المركز" و"الهامش" التي طالما هيمنت على الفكر الأكاديمي حول المجتمعات البدوية والمهمشة.

لم يكتفِ أبو ربيعة بتطوير مناهج تعليمية جديدة، بل عمد إلى دمج الأبعاد التاريخية والثقافية في تحليل قضايا معاصرة، مما عزز من قدرة الأجيال الصاعدة على التفكير النقدي وتجاوز الحدود التقليدية للأكاديميا. وهنا تكمن فلسفته الأكاديمية في الربط بين الحاضر والماضي، بين الاجتماعي والتاريخي، وبين الثقافي والسياسي، مما يجعل من مقاربته لفهم المجتمعات ليست فقط وصفية، بل تحليلية تقوم على قراءة معمقة للتراث الاجتماعي والثقافي من جهة، وتوظيفه في نقد التحولات الحديثة من جهة أخرى.

علاوة على ذلك، فإن تأثير البروفيسور أبو ربيعة لا يقتصر على كونه مرجعًا في الأنثروبولوجيا والطب التقليدي، بل يتجلى دوره أيضًا في تحفيز الباحثين على استكشاف مسارات جديدة تربط بين البحث الأكاديمي والممارسة العملية في الميدان. بفضل أبحاثه المتنوعة ونهجه الفلسفي الذي يضع الفرد في صلب الديناميات الثقافية، استطاع أن يخلق نموذجًا جديدًا للتفكير النقدي يتجاوز النظرة الجامدة إلى العلوم الاجتماعية. فهو لم يكن مجرد باحث يتناول موضوعات محددة، بل كان مفكرًا يسعى لتأسيس إطار معرفي قادر على استيعاب التعقيدات الثقافية والأنثروبولوجية ضمن سياق عالمي معاصر.

بفضل هذا التأثير الفكري العميق، يُعد البروفيسور عارف أبو ربيعة اليوم مصدر إلهام للأجيال الجديدة من الباحثين، ليس فقط في مجال الأنثروبولوجيا والدراسات الثقافية، بل في سعيهم الدائم لفهم العلاقات بين المعرفة والسلطة، وبين التراث والتحديث، مما يدفعهم إلى النظر بعين نقدية إلى مجتمعاتهم والبحث عن أدوات جديدة للتفكير والتفسير.

<