حتى نلتقى - العيون

27 أيلول 2024 | كتب: يوسف ابوجعفر (أبوالطيّب)

العصر الحديث هو تحدي كبير جدًا لكل من لم يعاصر القفزة النوعية في العلوم والتكنولوجيا، ولذلك من الطبيعي أن يبتعدوا عنها أو على الأقل لا يرتاحوا لتغيير طريقة تعاملهم مع الأشياء، الشراء ببطاقات الاعتماد، الكاميرات النقالة في الهواتف الخلوية، القدرة السريعة على التواصل وفوق ذلك كله انعدام الخصوصية وحفظ الأسرار.

من ضمن عالم التكنولوجيا ظهور الديجتال (العالم الرقمي) الذي استطاع تحويل كل لحظة في حياتنا إلى صورة وصوت ولأن البشر مهووسون بالدرجة الأولى في هذه الأيام بأشكالهم وما هو الانطباع الذي سيتركونه على الآخرين تطور العالم الرقمي كما تطور عالم التجميل والزينة.

وفي الحقيقة عندما تلاحظ في الدرجة الأولى هذا الهوس تبدأ باكتشاف النقطة الأساس وهي فلاتر كاميرات التصوير فهي الأقدر الآن على نقل التزييف أو قل نقل غير الحقيقة إلى المشاهد وللحظة تدرك أن العين البشرية غير قادرة على التعرف على ما خلف الشاشة أهو طبيعي أم فلتر؟ هذه ليست وظيفة العين بتاتًا، وظيفتها الأساس نقل المصدر بأمان والمخ هو الذي يحلل يقارن وكل ذلك مقارنة بما لديه من بيانات سابقة، ولذلك يسهل على من يعرف الحقيقة رؤية إشارات المخ التي تُنبه لوجود الخداع البصري.

ولكن عودة إلى الوراء، إلى الماضي القريب، في زمن انعدام هذه التكنولوجيا نتوقف عند مثل عربي يستعمل بصيغ كثيرة، فكل الأمهات أعطاهن الله حب الأبناء ولذلك كانوا إذا شاهدوا طفلًا أقل وسامة من غيره قالوا "القرد في عين أمه غزال"، لم يعزُ أحد قضية الجمال للعقل أو للقياس العام بل ما نراه نحن فيمن نحب، فنحن نرى من هم لنا أجمل، فأمهاتنا أجمل النساء، والآباء هم الرجال الأقوياء من يستطيعون حل كل القضايا العالقة والمستعصية.

إذًا علم العيون هو الذي يقرر، بغض النظر عن التحليل المنطقي العقلاني، العيون يا سادة هي من أدق الأعضاء وأكثرها تعقيدًا وفيها فوق ذلك كله يتكون العالم، فيها تبدأ كل المراحل المهمة، وقراءة العيون مجال غريب، فيها يكون الحب والكره والبغض والحسد والإعجاب والتشجيع والإنكار والحقد، فيها كل الصفات وفوق ذلك فيها أهم صفة القدرة على وضع الفلتر دون تزييف الحقيقة.

أولئك الذين يستطيعون قراءة عيون الآخرين يمتلكون موهبة عظيمة، فالعيون تنبأ بما تخبئ العقول، أي أنها ليست فقط مستقبلة بل مرسلة بالإشارة وهذه لا يقرأها إلا صاحب الرسالة أو قل من يمتلك موهبة تحليل العيون، وليس المقصود بالطبيب، اعتقد صراحة أن لكل عضو في اجسادنا ميزة وللعيون ميزات، وأكثر ميزة في الارسال هي الصدق، بمعنى أن ما نراه بأعيننا في عيون الاخرين هو عين وكبد الحقيقة على أن نكون حيادين، فالمحب والعاشق كليهما يخرجان من طور الحياد.

ولذلك يجتهد عالم الاستخبارات في الدرجة الأولى بمحاولة قراءة العيون بل وأصبحت المعابر الحدودية المعقدة لا تعتمد البصمة بل بؤبؤ العين في تحديد الشخص، الجميل أننا في عالم التكنولوجيا والعيون نسينا أهم صفتين، الأولى ان الهواتف الذكية للاتصال في الأساس وتحولت مع الزمن إلى كل شي سوى الاتصال، والثانية هي أن العين وظيفتها الأساس الرؤية وقد شغلنا بشكلها ولونها وقدرتها على التحليل دون أن نعرج على الرؤية، يعود ذلك في تقديري لأنّ الأمور البديهية لا يحاولون نقاشها.

وحتى نلتقي، تغنى الشعراء والمطربون بالعيون؛ بجمالها وألوانها؛ لكننا ننهج الآن في الغالب الابتعاد عن النظر للعيون لئلا تظهر حقيقتنا بكل ما فيها من كل معاني الود والحب أو الحقد والكراهية، ما فيها من غضب وما فيها من رحمة، عيوننا تحكي قصة أحيانًا نريد أن نرويها دون كلمات، وحينًا لا نريد أن يقرأها غيرنا فلا نعطي أحدًا الفرصة لينظر في عيوننا.

<