حتى نلتقي.. قرار

16 أيلول 2024 | بقلم: يوسف ابوجعفر (أبوالطيّب)

المشتري يتوسط السماء، والمريخ يحمر وجهه خجلًا خلف المشتري والسماء بصفوها تنتظر بعد قليل بزوغ الشمس وضجيج قليل يعكر الصفو يأتي من بعيد بين عواء كلب أو تغريدة لعصفور، وربما بين الحين والآخر مركبة يعلو ضجيجها على مطبات الأسفلت لبقي الصفو دون كدر.

الشفق الأحمر الصباحي يبدو أجمل في هذه اللحظات فهو بين ازدياد وخوف من نور الشمس الذي سيعطيه الفرصة ليتنفس وبعدها يعود ليرحل، فحمرة الصباح تعطي الأمل، تجدد الهمة أن اليوم يختلف عن الأمس، ولولا وجود الاختلاف بين الأمس واليوم لما شاهدنا كيف تتغير الحياة من حولنا، في كل شيء في أجسادنا وفي وجوه الناس.

ولعل الفرد منا ينظر إلى نفسه ويأتي من يذكره أن اليوم ليس الغد، وأن الأمس أصبح ماضيًا والغد حاضرًا، ففعل الماضي قد نقش وكتب والحاضر ما نسميه لغة المضارع نستطيع كتابة الأمور من جديد بأيدينا، نستطيع أن نصحح مسار الغد اليوم، نملك القدرة على النظر إلى الماضي فلا نفسد المستقبل.

اعتقد أن أكبر الأخطاء في حياتنا مجرد الاستمرار في الخطأ، وبكل سهولة نعتذر عن خطأ جديد بسبب خطأ قديم، ولا نملك الجرأة على فحص مقوّمات القرار من جديد.

لماذا نصر على ذلك؟ ربما هو الخوف، عدم الرغبة في التغير، وأسباب أخرى كثيرة، ولكن في الغالب الأسباب تتبع صاحب القرار وليس غيره، القرار يحتاج إلى جرأة في المقام الأول، من قرار تتوقف عن التدخين وهو قرار شخصي حتى قرار الخروج إلى حرب، بمعنى أن القرار فيه مخلفات صعبة ليست سهلة؛ في انعدام الشجاعة على اتخاذ القرار يبدأ عنصر البحث عن الأعذار وأولها ما ذكرت، من سبقني فعل كذا، وهنا ندخل إلى قائمة الأعذار الأكبر وهكذا دواليك.

لماذا الحديث عن القرار الآن؟ لأن الأمر ببساطة يواجهنا كل يوم ونحن مستمرون في نفس النهج، نحاول أن نجد لأنفسنا أعذارًا في كل قضايانا وخلافاتنا، نقتل بعض ونعتقد أن الحل في الماضي، ندمر مجتمع في كل شيء ونستمر في ذلك، نغلب المصلحة الشخصية على العامة ونستمر في ذلك، وكل الأطراف الجانب والمجني عليه يصفق للسابق دون حتى سؤال استنكاري إلى متى؟ لتجد الجواب إحدى اثنتين، كل عمرها هكذا، أو أن يرث الله الأرض ومن عليها.

من المحزن أنّ العرب بالذات، وخصوصًا البدو، ما ارتقوا إلا عندما نفضوا عنهم عادات الجاهلية وفتحوا عقولهم للعالم فأنشدوا الشعر وصنعوا التاريخ وفتحوا أقطار العالم وكانوا منارة للخير كله، والبدو هنا صفة عامة لمن هم ليسوا من أهل الحضر، فلماذا نستمر إذًا في فرض الماضي على أنفسنا ولا نهرب بها نحو المستقبل، وكي ننصف لا بد أن ندرك ربما هناك قرارات فعلًا بحاجة للبقاء كما كانت، إلا أن مشاكلنا وتحدياتنا لا تتصف بقضايا الماضي، فعنف اليوم لا يستطيع في الغالب القانون القديم حله، وقضايا الزواج والطلاق لم تعد كالماضي، وحتى القرار السياسي المحلي والإقليمي والقطري لم يعد مثل الماضي، أولئك الذين لم يدركوا أن الفرق عظيم بين قيم الأساس التي لا تنازل عنها والقيم التي يمكن بسهولة تركها واتخاذ جديد يجب علينا أن نعرفها جيدًا.

لا يمكننا تعليق مستقبلنا بما هو وهم الماضي، لا يمكن الرقي دون مجازفة أو على الأقل المخاطرة المحسوبة، لا يمكن التغني بالعدل وعمر بن الخطاب ونحن في زمن مسيلمة الكذاب، في زمن الوعود الوهمية والعرقوبية، يكفي حلم يجب أن نعود للواقع فنحن مثل بقية الناس، فينا كل شيء الصادق والمنافق، الكاذب والمخادع، والمظاهر تغطي كل شيء.

وحتى نلتقي، من يعتقد أننا جامدون فليصحو.. لقد سافر العالم وتعدى المشتري والمريخ وهناك من يجادلك أن العالم لم يصعد إلى القمر، دمتم بخير.

<