تداعيات حرب غزّة على فلسطينيي الداخل
4 آب 2024 | بقلم: أ. د. إبراهيم أبو جابر
عاش المجتمع العربيّ في الدّاخل الفلسطيني منذ السّابع من أكتوبر/تشرين أوّل 2023، وضعاً استثنائياً، تمثّل في فرض أنظمة الطّوارئ في البلاد، وعسكرةٍ للمجتمع اليهوديّ، وإطلاق تصريحاتٍ عنصريّةٍ معاديةٍ للعرب والفلسطينيين، واتّباع سياساتٍ قمعيّةٍ ضدّ مجتمعنا العربي في الدّاخل، بهدف خلق حالةٍ من الرّدع في أوساطه.
تُرجمت السّياسات الإسرائيليّة هذه تُجاه المجتمع العربي في صورٍ كثيرةٍ، منها:
أولاً، ملاحقاتٌ أمنيّةٌ وقضائيّةٌ للعديد من الشّباب العربي، واعتقال العشرات منهم، والزجّ بهم في السّجون على قضايا تافهةٍ جداً نُشرت عبر وسائل التّواصل الاجتماعي، أو لمشاركتهم في وقفاتٍ ومظاهراتٍ دعت إلى وقف العدوان على قطاع غزّة، وضدّ الجرائم الّتي تٌرتكب هناك ضدّ الأطفال والنّساء والشّيوخ، لا بل والإنسانيّة.
ثانياً، اتّباع سياسة التّحريض ضدّ المواطنين العرب في الدّاخل الفلسطيني المستمرّة في حقّ مجتمعنا العربيّ وقياداته، من مغبّة استنساخ أحداث هبّة الكرامة في العام 2021، والتّهديد بتطبيق سياسة العصا الغليظة في مواجهة أيّ إخلالٍ بالنّظام العام كما يدّعون.
ثالثاً، رفض الأجهزة الأمنيّة الإسرائيليّة والدّوائر الحكوميّة الأخرى كلّ محاولات لجنة المتابعة العليا والأحزاب والحركات السياسيّة، التّفاعل مع ما يحصل للفلسطينيين في قطاع غزّة، من مجازر جماعيّةٍ وتطهيرٍ عرقيٍ وتدميرٍ للبنية التحتيّة، والتّضييق عليها، وملاحقة قيادات الجّمهور العربيّ واعتقال البعض منهم، غير أنّ ذلك لم يردع لجنة المتابعة بكامل مركّباتها السياسيّة من التّظاهر، والدّعوة لوقفاتٍ منّددةٍ بالاحتلال، وداعيةٍ لوقف العدوان على الشّعب الفلسطيني.
رابعاً، الدّعوة لسنّ قوانين عنصريّةٍ معاديةٍ للعرب في الدّاخل، منها قانون سحب الجنسيّة من كل فلسطينيّ في الدّاخل وأفراد عائلته تثبت مشاركته في أعمالٍ معاديةٍ للمؤسّسة الإسرائيليّة.
تَرشح من خلال قراءةٍ متأنيّةٍ للمشهد العام في الدّاخل الفلسطيني بعد انتهاء العدوان على قطاع غزّة، مجموعةٌ من التّداعيات، ستؤثّر لا محالة على صيرورة الحياة ومجرياتها داخل المجتمع العربيّ، من أهمّها:
1.اتّباع المؤسّسة الإسرائيليّة سياسة الحدّ من تفاعل المجتمع العربيّ مع قضايا شعبنا الفلسطينيّ الوطنيّة والشرعيّة، والتلويح باستخدام سياسة العصا الغليظة في التّصدي لفعاليات فلسطينييّ الدّاخل الرافضة للسّياسات الإسرائيليّة العنصريّة.
2.تشديد الخناق على المجتمع العربيّ ومواصلة محاولات عزله عن محيطه العربيّ والإسلاميّ، باتّباع سياسة العصا والجزرة، والتّرهيب والتّرغيب، ودقّ الأسافين بين مختلف مكوّناته ومركّباته السياسيّة والوطنيّة.
3.تغذية المؤسّسة الإسرائيليّة وأجهزتها المختصّة الأمنيّة والسياسيّة لحالة الانقسام داخل المجتمع العربيّ، بخاصةٍ بين التّيارات الوطنيّة والدينيّة، والطائفيّة والفئويّة، وفقاً لسياسة "فرّق تسد".
4.دعم السّلطات الإسرائيليّة للصّراع الهويّاتي وخاصةً بين اتباع الهويّة والفعل الوطنيّ، ونهج الأسرلة الّذي انزلقت إليه بعض مكوّنات مجتمعنا السياسيّة للأسف، وهذا يقيناً سيجد صدىً قوياًّ له كما يبدو في جولة الانتخابات القادمة.
5.زيادة المؤسّسة الإسرائيليّة وأجهزتها ودوائرها المختصّة حالة شدّ الخناق على لجنة المتابعة العليا ومكوّناتها السياسيّة المختلفة من أحزابٍ وحركاتٍ ومؤسّساتٍ، إلى حدٍ قد يصل إلى إخراج البعض منها عن القانون وإغلاقها وملاحقتها قضائيّاً وسياسيّاً، لإسكات الصّوت العربيّ، مع العلم أنّ بعض القيادات السياسيّة الإسرائيليّة دعت سابقاً الجهات المختصّة إخراج لجنة المتابعة العليا عن القانون.
6.تبنّي سياساتٍ عقابيّةٍ جماعيّةٍ وفرديّةٍ صارمةٍ ضدّ العرب الفلسطينيين في البلاد، مثل تكثيف جرائم هدم البيوت العربيّة، والاعتقالات، والتّمادي في سنّ قوانين عنصريّةٍ وسحب للجنسيّة والتّهجير، والحدّ من حريّة التّعبير، وفصلٍ من أماكن العمل، وحجبٍ للميزانيّات المخصّصة للمجالس والبلديّات العربيّة.
إنّ مجتمعنا العربيّ في الدّاخل وشعبنا الفلسطينيّ كلّه، كان ولا يزال وسيبقى لعدالة قضيّته أقوى من كلّ مشاريعهم الظّلاميّة والاحتلاليّة، ولن يتخلّى عن حقوقه الشّرعيّة وعلى رأسها حقّ تقرير المصير وإقامة دولته المستقلّة، ولن يتنازل عن ثوابته الدينيّة والوطنيّة، رافضاً كلّ مشاريع التّهجير والنّزوح، فالشّعوب وُجدت لتبقى.
^ القائم بأعمال رئيس حزب الوفاء والإصلاح