رسولنا القائد يبادر سريعًا نحو السلام
26 تموز 2024 | بقلم: الشيخ صفوت فريج
الذي يقرأ السيرة النبوية قراءة بحثية، ويدرس سلوك النبي القائد في حربه وفي سلمه، يصل إلى نتيجة بل إلى قناعة أن النبي محمدًا ﷺ كان قائدًا حكيمًا في الحروب، حيث كان يشاور أصحابه من أهل الرأي والدراية في أمور الحرب ويأخذ برأيهم حين يعدّ للحرب.
فنراه يوسع دائرة المشورة حين تكون مخاطرة وإمكانية لسفك الدماء، سواءً باستشهاد أصحابه أم بقتل الكفار؛ فهدف النبي ورسالته هو إدخال الناس إلى رحمة الإسلام، ليحملوا رايته ويبلغّوها وينشروها دعاة إلى الله، ويعيشوا في سبيل الله، وليس الهدف قتلهم على الكفر ليصبحوا حطبًا لجهنم.
أما في مبادراته للسلام فقد كان النبي ﷺ على استعداد للمخاطرة في الذهاب إلى السلام وحقن الدماء، ولم يكن يشاور أصحابه بالوتيرة التي يشاور فيها قبل خوض المعارك وتطاير الرقاب والرؤوس.
كما كان يلحّ على أصحابه الذين يمتلكون التخطيط والإبداع لرسم الخطط والحفاظ على عنصر المفاجأة. وفي غزوة بدر استشار النبي ﷺ أصحابه بشأن موقع المعركة واستراتيجيتها. فأشار أصحاب النبي ﷺ عليه بشأن المكان المناسب للمعركة. فقد فضّلوا أن يكون المعسكر عند بئر بدر، وهو قرار دعمته مشورة الصحابي الحباب بن المنذر.
أمّا في غزوة أحُد، فقد طلب النبي ﷺ مشورة الصحابة حول الخروج إلى معركة أحد أو البقاء في المدينة، وكان رأي غالبية الشباب بالخروج للقتال في منطقة أحُد، فالتزم النبي ﷺ بالمشورة وأخذ بها رغم ميوله في البقاء داخل المدينة.
وهكذا كانت الحال في معركة الأحزاب- وهو الاسم القرآني للمعركة، أمّا اسمها التاريخي فعرفت بالخندق- حيث ألحّ النبي ﷺ على أصحابه بالمشورة، فأشاروا عليه بالقتال داخل المدينة والتحصّن فيها، وجاء عرض سلمان الفارسي بخطة الخندق فتبناها النبي ﷺ وأصحابه.
أمّا في المبادرة للسلم وحقن الدماء، فقد كان النبي ﷺ يسعى دائمًا لتحقيق السلام وحلّ النزاعات بطرق سلمية ويسعى لتجنّب الحروب ما أمكن ذلك. وقد تمثّل ذلك في صلح الحديبية، الذي تم توقيعه بين المسلمين وقريش في العام السادس للهجرة، والذي من بنوده الإعلان عن هدنة بين الطرفين لمدة عشر سنوات. وعلى الرغم من أن بعض شروط الصلح كانت تبدو مجحفة بحقّ المسلمين، إلا أن النبي ﷺ كان يرى فيها منفعة استراتيجية، وقد أثبتت الأيام أن هذا الصلح كان خطوة هامة نحو فتح مكة، وقد سمّاه القرآن بالفتح.
كذلك لتحقيق السلم، قام النبي ﷺ بالعديد من المعاهدات مع قبائل مختلفة، لضمان الأمن والأمان وتوسيع نطاق الدعوة الإسلامية بطرق سلمية.
كما كان النبي ﷺ يتّسم بالحكمة والرحمة في تعامله مع الأعداء، حتى أثناء المعارك. وفي فتح مكة، حين دخلها النبي ﷺ فاتحًا، عفا عن أعدائه الذين كانوا آذوه وآذوا أصحابه، وفَتَحَ مكة بموجب العفو العام والرحمة، وأطلق شعاره المعروف "اليوم يوم المرحمة".
نهج نبي الرحمة من خلال مشورته في الحروب وسعيه نحو السلام نهج القيادة الحكيمة التي تتطلّب توازنًا بين اتّخاذ القرارات الصائبة وبين مراعاة مصالح الناس وأمنهم. وتصرفاته ﷺ في هذا السياق تعكس فَهْمًا عميقًا لمبادئ القيادة الرشيدة التي توازن بين القوة والرحمة، والتخطيط والمرونة، مما يجعل سيرته مصدر إلهام للقيادة في كل العصور.
مقابل هذا النموذج الإسلامي من القيادة الحكيمة التي تسعى للسلام ولحقن الدماء ونشر الأمن والأمان، ابتلي العالم في زماننا بقادة دول كلّما سنحت فرصة للتهدئة أو قدّمت مبادرة لهدنة أو تسوية للسلام وإنهاء الحرب، رفضوها جملة وتفصيلًا، وقرّبوا منهم غلاة الرأي والمتطرّفين، وبحثوا عن كل محفل لإذكاء نار الحرب.
مهما تمادى أهل الحروب فإن إيماننا بالله أنه هو القادر على إطفاء كل حرب يحاولون إشعالها: {وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۚ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ۚ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}.
^الكاتب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل