حتى نلتقي – خانة اليَك
26 تموز 2026 | بقلم: يوسف ابو جعفر (ابو الطيّب)
هذا الجزء من البلاد تعود الطقس الجاف، هكذا كان حتى بدأت الرطوبة بالزحف نحونا، رذاذ الماء الذي كان يبلل ملابسنا عندما كنّا ننام أمام البيوت كان له نكهة خاصة، زحف المدنيّة أعطانا الفرصة أن نستمر في النوم خارج البيوت نلتمس الطقس البارد ليلًا، إلا أن مطلقي الرصاص قرروا منع الناس من الجلوس في الخارج، وواضح أن هذه الحكومة وسابقاتها ليس لديها مشكلة في أن نطلق الرصاص طالما لم يوجّه للمجتمع اليهودي، بكل بساطة استمتعنا الأمر وأصبحنا من الذين يجدون الأمر طبيعيا أن تكون إحدى جنبات المدينة منطقة قتال والجرحى والقتلى في الطرف الآخر، فمطلق الرصاص جبان لا يطلقك مباشرة على غريمه، بل يرفع خرطوم بندقيته إلى السماء حيث تسقط الرصاصة على الطرف الذي لا حول له ولا قوة.
من المعروف عن قوانين الغابة أن الحيوانات تحدد منطقة نفوذها، والطريقة معروفة لأهل المعرفة، تتبول الحيوانات على جذوع الأشجار لتعلم كل غازٍ عن حدود المنطقة، هنا الأمر يختلف؛ الذي يحدد هو قدرتك على خزن السلاح والذخيرة ثم إرهاب الجيران والمدينة، ليس لدى المجرم والمعتدي مشكلة في حالة انعدام السلاح فهناك من يؤجر البندقية والذخيرة، وهناك من يضيف عليها هدية إن لم تكن ممن يعرفون إطلاق الرصاص نأتيك بمن يفعل ذلك، كل ما عليك هو الدفع قبل الرفع.
قلة أولئك من رحم ربي أو لأمر ما ينأون عن السلاح عن قناعة أو خوف، هؤلاء على الأقل يدركون عظم الكوارث جراء منطق إطلاق النيران.
ما علاقة الرطوبة والرصاص ببعض؟ كليهما وصلا إلينا حديثًا من صنع أيدينا، عندما فقدنا السيطرة على مقدراتنا فقدنا القدرة على التخطيط وعلى التنفيذ، فالبدوي القديم في طور الانقراض، جيل جديد يولد لا يعترف بشيء منكم يلحق بنا إلا عند حدوث الكارثة، جيل يعيش حياة الأمريكي ويعتقد أنه بدوي، يأكل ويشرب ويتصرف كالأمريكي ويصرخ أنا بدوي أو عربي، سمه ما شئت، طعامه البيتسا بزيتون، والغداء بورجر، وشكرًا أن المنسف بقي على حاله في الأعراس والمناسبات وإلا فقدنا أخر معالم البداوة، طبعًا لا ننسى الدحية بنكهة موسيقى الترانس.
في حادث عابر يتضح لنا معالم الطريق أنها ستأخذنا نحو المصائب، وكل محاولات الصحو مرهونة فقط بكارثة، فعندما تقتل عائلة أخرى تصحو فقط العائلة القاتلة وليس الجميع في غمرة السرعة والصراع تختفي الاحداث، معالم الطريق تقول بكل صراحة أن القضية أكبر من كونها إطلاق رصاص وترويع الناس، الموضوع هو تفكك مجتمعي كامل، وفي غياب السلطة المتعمد قانون الغابة هو الذي سيحدد مناطق النفوذ.
المشكلة أن الغابة صغيرة ومقدراتها قليلة والطريق غير واضحة المعالم، ولذلك هناك من يستولي على الطريق مجازًا وفعلًا، وهناك من يريد تحديد مناطق النفوذ من جديد، نحن أقرب هذه الأيام إلى نظام الغرب منا إلى نظام العرب، هناك مجموعات نفوذ لها مجموعات ضاربه قد تكون قانونية أمثال التنظيمات العمالية أو خارجة عن القانون بكل معنى الكلمة، مع فارق بسيط أننا لا نعيش فلم العراب لكاربون براندو، وليس فينا ال باتشينو، نحن جميعا دون ذلك وموقعنا الافتراضي عند الأزمة كما في طاولة الزهر (شيش بيش) خانة اليك.
وحتى نلتقي، عادة أطرح في نهاية كلماتي مختصر مفيد، أو شرح إلا أني أعجز عن ذلك ليس لأني لا املك ما أقول بل لأني أدرك أنه لن يكفي، لأننا مهما اعتقدنا أننا ابتعدنا قدرنا أن نعود إلى خانة اليك.