صحافةٌ تموتُ بلسانِ أو يدِ مسؤول
24 تموز 2024 | بقلم: الإعلامي محمد السيد
عندما استمع لمحطات الإذاعة والتلفزيون العبرية، وأنا من الحريصين على متابعتها، وعندما أقرأ المقالات لكتاب الأعمدةِ، ينتابني شعورٌ بالألم لما آلت اليه صحافتنا العربية.
ففي صحافتهم تتجلى المهنية والحرص على إيصال المعلومةِ للناس، ويأخذ الصحفي دوره في تمثيل المواطن أحسن تمثيل ويشفي غليله من المسؤول الذي يشعر أنه خاضعٌ لمكاشفةٍ ومحاسبة ويسعى جاهدًا لقول الصدق ويلجأ للكذب احياناً للتخلص من لسان الصحفي السليط الذي لا يخشى المسؤول بل يقتنص أخطاءه ليظهرها للناس، كل ذلك سعيًا لبناءِ مجتمعٍ صحي، من هنا يتنبه المسؤول عندهم لأي خطأ قد يقع فيه ويحسب ألف حسابٍ لجريدةِ الغد.
مع كل ذلك لا يجرؤ المسؤول على تغييب إعلانِ حزبه الإنتخابي من صفحات وسيلةٍ إعلاميةٍ بسبب موقفٍ سياسي أو تعرضه لانتقاد لاذعٍ من أحد صحفييها.
صحيحٌ انه في العقد الأخير ظهرت وسائل إعلامٍ عبرية تروجُ لجهةٍ معينةٍ، وجل هذه الوسائل تتبع للصهيونية الدينية ، لكنها لا تُغيب وجهة النظر الأخرى من باب أنه في النهاية الهدفُ واحد.
لا أريد الخوض في الإعلام الفلسطيني والعربي من حولنا فهو ذا صبغةٍ واحدةٍ بالمطلق، ولا مكان للرأي الآخر إلا بالشعار، إنما أردت أن أعود للحديث عن النشرات والمواقع العربية في إسرائيل التي تُسمي نفسها إعلامية، منتهكةً بذلك مهنة الإعلام المقدسة.
فهذه المواقع التي نقلب صفحاتها من بابِ الإطلاعِ العام عن بعض أخبار الإجتماعيات ولنعرف من منَّ الله عليه بمولود، أو من أطلق النار على من، لنجد ألأخبار التي تتصدر هذه المواقع مثل، ماذا قالت الراقصة الفلانية عن الموضوع الفلاني، أو كيف يبدو شكل المغنية الفلانية بعد قصة شعرها الأخيرة، أو كيف رد جمهور الراقصة الفلانية بعد ظهورها بهذا اللباس الجريء، والى ما هنالك من هذه الأخبار التي تهم كثيراً مواطننا العربي.
وعند تعريجنا على ما تسمى الأخبار السياسية نجدها وفق إملاءاتِ صاحبها، أو نسخاً حرفياً عن قول هذا المسؤول أو ذاك، وتغيب تماماً الحوارات الجريئة والإنتقادات البناءة والمساءلة والمكاشفة.
من هنا تعود مسؤولنا العربي على هذا النوع من الإعلام وبات يلهث وراء الإعلام العبري ليعطيهِ مساحةً صغيرة لن تُعطى له إلا اذا تمكن من اقناعهم بما لديه من معلومة هامة، فيسافرُ المسؤول مسافةٍ طويلة وينتظر كالتلميذِ الشاطر من أجل الحصول على دقائقَ قليلة يمررُ فيها شتائمهُ ومسباتهِ لصُناع القرار، ثم تبدأ مقاطع الفيديو تنتشر للعالم تحت عناوين "البطل يوبخ الوزير"، "البطل يرد بحزم على المخطط"، "البطل يؤكد أن النهايةَ وشيكة" والى ما هنالك من هذه العناوين المخدرة للناس.
وهذا المسؤول لن يجرؤ طبعاً على تهديد صحفي إسرائيلي أو حتى مجرد لومه على مقالٍ كتبه بحقه، في حين يُرسل زعرانهُ لصحفيٍ عربيٍ تجرأ وغرد خارج السرب وكتب عن حقيقةٍ معينة يعرفها الناس لكنهم يتجنبون الخوض فيها خوفاً على أنفسهم فنحن في زمن الرصاص.
وهناك مسؤولون يسعون لتصفيةِ حساباتٍ فيما بينهم رغم الظهورِ للعامةِ أنهم على قلبِ رجل واحد، فيرسلونَ مادةً لإعلاميٍ جريء عله يقومُ بالعملِ المجاني نيابةً عنهم.
كلاهما لا يرغبان في نجاح هذا الإعلامي ويهاجمانه بشدة في الغرف المغلقةِ ويبتسمون إبتسامةً صفراء في وجهه.
اتفهم التملق والنفاق والكذب واللؤم، لكنني لا اتفهم أن يكون الصحفي عُرضةً للسان أو ليدِ أو لزعرانِ مسؤول، فكلاكما مسؤول عن النتيجة، لأن الواشي او مزود المعلومة تنصل من وشايته او اعتبرها عادية ليس في حضرةِ الصحفي بل بين يدي الشريك المكروه، والمستهدف من الواشي واللاجئ للزعران يحرض الصحفي على ذلك الذي أوقعه في الشَرَك.
هكذا يريد مسؤولنا صحافتنا، في تفاعل مستمر نحو الكراهية والعنف والبقاء صحافةً تقليدية تُمجد صاحب الرفعةِ، وإذا أرادوا الشهرة وقفوا على بابِ الإعلام العبري يستجدونَ دقائق معدودة.
^الكاتب رئيس حركة كرامة ومساواة