حتى نلتقي- أمهات السواد
3 تموز 2024 | بقلم: يوسف أبوجعفر (أبوالطيّب)
كان صوت السقوط مرتفعاً، لم يكن طويلاً ولكنه بدا كدهرٍ، تدحرجت على الثياب المليئة بالسواد، ازداد لونها سواداً، عندما ارتطمت بالأرض أبت أن تمتصها، وأعلنت التضامن معها، صرخت بأعلى صوتها الأرض، لقد أصبح جدول الحزن نهراً، مياهه دموع الأمهات والأخوات، فهذي دموع الثكالى مقدسة.
لم يسمع الصوت أحد إلا تلك الأم التي فارقت إبناً أو أخاً، فهذا الصوت لا يسمعه إلا مرهفو الحس والإحساس، ليت قلوبنا كقلوب الأمهات، عندها سنتوقف عن القتل، عندها سنعيد الى قلوبنا الدماء وليس الحقد والكراهية وحب الثأر، عندها سنزرع وروداً في حدائقنا وليس في مقابرنا، عندها ستزغرد الأمهات في ليالي الصيف، ولن تسمع أزيز الرصاص، يومها سنعرف أن أمهات السواد لن يبكين سدىً، ولن يتوقف احدهم ليعترض الشارع معلناً أن الحياة لا تساوي ........
أمهات السواد هن اللواتي يحملن الجرح الذي لا يندمل إلا بالحب، ويعرفن أن جداول الحزن لن تترك الأرض طالما بقيت قلوبنا تقطر حقداً وثأراً، أمهات السواد يعشن بين القاتل والمقتول، بين الأخ والجار، قلوبهن على من مضى وعلى من بقي وعلى من لم يولد لعالم الحزن .
لا أحب اليأس ليس لأنه مدمر بل لأن اليأس إذا دخل إلى الحياة حول ربيعها خريفاً من الأعاصير يدمر فيها كل جميل.
لا أحب اليأس لأن فيه غروب دون شروق، فيه وداع دون لقاء، فيه اليوم جميل اما الغد فالخوف منه أشد.
لا أحب اليأس لأني أعلم أننا أمام محنة كبيرة وإن لم نصحو قبل دخوله إلى عالمنا فلن نجد من نلومه أكانت الشرطة أو الدولة أو البلدية، أو حتى ذلك السلاح الذي نخفيه في بيوتنا ونريد منه فقط أن نحمي أنفسنا من الخوف.
الخوف هو القاتل، هو الذي يسيطر فلا نعود نفكر، نرتعب فنبحث من خوفنا عن وسائل الدفاع، وكلما زاد الخوف ازدادت رغبتنا في الحصول على أسلحة القتل والتشريد والدمار، الخوف هو المفتاح ومن يمتلك السيطرة على الخوف هو السيد، عندما سيطر على عقولنا أصبحنا من ضحاياه يحركنا إما جنوداً له أو ضحايا يقدمنا أرقاما للتذكير ويستمر الخوف.
بين ألم الأمهات ودموعهن تصبح الكتابة مهنة صعبة، هل امطار هذا العام تختلف، أم أن السماء تبكي على حالنا، كيف السبيل الى الوقوف في وجه السيل، لا أحد امتهن هذا الأمر فلذلك سيصبح الهروب من وجه السيل الغاضب هو السبيل.
عندما تتساقط الأمطار في الصحراء إما أن تكون غضباً يأخذ كل شيء أو تكون هتوناً جميلاً يحضر الربيع إلى الصحراء فتنبت أجمل الزهور.
نحن في موسم الغضب، في زمن الريح، في زمن الجرف، في زمن الأعاصير، ومن سيبقى منفرداً ستأخذه الريح إلى جبال الظلام إلى ليالي الحزن والألم.
ليس أسهل من الحديث ونصح الأخرين ، ولكن عندما يصبح الأمر شخصياً تتبدل المواقف، هكذا قضايانا، ليس فيها حلول، لأننا لم نتفق بعد على قوانين العدل، لأننا نخاف أن نكون أول من يُطالب بالتطبيق، نريد عدلاً مرهوناً بغيرنا، مرهون بأن نبقى نحن أول الناس في الإعلان وأخرهم في التطبيق.
كيف السبيل إذا، من يمتلك الجرأة ليقول هنا ستتوقف الدماء، هنا سيتوقف الحزن، من هنا لن يمر السيل ، وتنتهي دموع الحزن، ويصبح الجدول نهراً من الحب وليس من الدماء، كيف يكون ذلك أن لم نقف مع العدل.
آه لو وقف أحدهم عند أمه قبل القرار وقال لها سأصبح قاتلاً لرأى دموعها أنهاراً، آه لو وقف القاتل عند أم القتيل ورأى الدموع السوداء في عينيها لأدرك إنما قتل الأم قبل الأبن، فدموع الأمهات لا تسقط على الأرض بهدوء.
وحتى نلتقي، ليت الأمطار تصبح هتوناً، وليت الصباح يصبح أجمل، ليتنا نعود إلى رشدنا فنصحو نحو الغد الأجمل.
رهط ٢٨/ كانون أول/ ٢٠١٨