حتى نلتقي | البحر

21 حزيران 2024 | بقلم: يوسف أبو جعفر

مضى العيد ومعه جاءت الأحداث المؤلمة ومن بين حوادث الطرق وحوادث الغرق المتكررة والمأسي التي ترافقنا منذ زمن بعيد. وما زالت الأفكار تتزاحم في رأسي حول هذه الاحداث المؤلمة أسبابها وكيف يمكننا الوقاية أو قل رفع الوعي، وبين هذا وذاك والحزن والألم الشخصي استطيع القول أن الحلول ليست على الرف هي في عالم العقل والنهج، نعم النهج الذي يحتاج منا جيلًا كاملًا كي يصبح طريقًا إلى مجتمع أخر، مجتمع يدرك معنى قيمة الحياة، يدرك معنى الرقي الذي لا يمكن أن يحصل في يوم واحد، بل في أيام وشهور وسنين.

من جهة أخرى ما زالت تصلني تساؤلات كثيرة حول كتاباتي، أهي وليدة تجربة شخصية؟ أم قراءة الاحداث ما يحملني على طرح الأفكار وأحياناً الأفعال! وفي الحقيقة قليلة هي الاحداث والتجارب الشخصية وفي العادة أذكر الحدث إذا كان شخصي أو تجربة شخصية، جم الأفكار والاحداث هي من وحي ما أسمعه أو يعترض طريقي ككتاب أو حدث أو قصة وخبر، نعم لأن تجارب الآخرين تعطيني الفرصة لأتحدث لكم عن الخبر دون أن يكون لدي اعتراض أو دوافع داخلية.

لماذا هذه المقدمة الطويلة وما علاقة الاحداث المؤلمة بما أكتبه، لأني أذكر جيدًا عندما تعلمت السباحة كغيري في البركة ذهبت للبحر وكلي شوق للسباحة في عسقلان، يومها اعترضني المنقذ وأصر على أن يختبر سباحتي، وعندما حاولت الذهاب بعيدا قال لي لا تذهب، أنتم العرب تحبون العزلة في مناطق ليس فيها منقذ، لا تعرفون السباحة وحتى من يعرف لا يدرك كم الفرق كبير بين من يسبح في البركة وبين من يركب البحر وأمواجه المتلاطمة، لا تدرك عمق التيارات وغيرها، هذه الكلمات ما زالت عالقة في أذني كيف وجدت نفسي منصاعًا له وقد سبحت في الماء القريب منه للحظة وأدركت كم صدق في نصحه لي.

واضح أن ما يحدث لابناء مجتمعنا ربما يختلف عما أرويه إلا أنه يبقى قريبًا من هذه ولا يمكننا الاستمرار ودفن رؤوسنا تحت رمال الشاطئ، استذكر هذا وأنا أجلس قبالة البحر في هدوء استمع إلى هدير الموج ورسمة لوحات على رماله التي تمتلئ بالصدف البحري الذي يلامس قدمي العاريتين، ورغم هدوء الريح وعدم ارتفاع الموج إلا أني الاحظ أن خيط صنارتي يسافر يمنة أو يسرة وأدرك عندها أن الموج الرقراق ما هو إلا خدعة يداعب بها قدماي وخلف الموجة الأولى هناك هوة فيها عمق والصخور القريبة منا مليئة بالطحالب الخضراء لا تستطيع وضع قدمك العارية عليها لكيلا تنزلق فجأة نحو الصخور.

البحر هذا الذي نحبه كلنا، أعشق فيه كل شيء ولكن أقف على مسافة واضحة منه، أعلم قوته وأعلم كم فيه من الأسرار التي باح بها له الناس، فكم من ملاحٍٍ كتب قصيدة شعرٍلزوجته، وكم من مسافر أهدى وطنًا أسرار حبه، وكم من عاشق شكى للبحر لوعته، وهكذا ترك الناس للبحر أسرارًا لا يحدث بها أبدًا، هل يا ترى عندما يرتفع الموج ويتلاطم وصخور الشاطئ إنما يرمي ثقل أسراره على الشاطئ، ربما يحطمها حتى لا يستطيع كل خبراء البحار تحليلها ونشرها، هذا البحر الذي أحبه يتحول أحيانًا إلى غول مخيف، يقتطف زهورًا في ريعانها ومهما حاولنا أن نفهم من السبب سيبقى كل شيء رهين أسرار البحر.

وحتى نلتقي، البحر عشق خاص، اعتقد أن أفضل أنواع الحب هو العذري، وعذرية حب البحر هو الاستماع إليه، مرافقته الحديث معه، الاستمتاع بهدير موجه وملامسة نسيمه لوجوهنا وتطاير ملحه على شفاهنا، وحتى لو داعبت اقدامنا العارية رمال شاطئه وغمرت المياه الأقدام فلنتذكر أن من يركب البحر فقط أولئك الذين فعلًا امتهنوا ركوبه دون غيرهم.

<