حتى نلتقي.. قهوة!

7 أيار 2024 | بقلم: يوسف أبو جعفر (أبوالطيّب)

القهوة بالحليب لم نتعودها صغارًا ولكنها أصبحت مع مرور وتحديثات العصر من أكثر المشروبات شهرة، قد تكون نسكافيه أو كابوتشينو ونوع القهوة يختلف والحليب قد يكون خال من الدسم ولكن في النهاية جميعها أذواق مختلفة للمركبات الأساسية، أحدٌ ما أقنعنا أن نشرب القهوة بالحليب، الغريب أن طفولة قسم كبير منا كان الشاي هو الذي يُشرب بالحليب، هكذا كانت أمهاتنا يقدمنه لنا، مع حليب الماعز المغلي، كان له طعم يختلف عما نعرفه اليوم، وما زال البريطانيون يشربون الشاي بالحليب في دور الشاي والمقاهي في لندن دون شعور بالحرج.

لا أدري ما الذي يجعل البعض يحافظ على تقاليده؟ وما الذي يجعل الآخر يهرب منها؟ ولكن هذا ما يحدث في الغالب، ربما هي النفس البشرية وربما هو النضوج الذي يصاحب الحياة، فاذا كنا أطفالًا نقبل رأي أمهاتنا أما وقد كبرنا وأصبحنا نختلف أو نقبل آراء كل من حولنا، فحينًا نعم ومرة لا، وهكذا دواليك خرجنا لدائرة الحرية الوهمية، لأن هناك الكثير من الآراء والمواقف ستفرض علينا رغم عدم قناعتنا بها.

هذا النضوج رغم الأحداث هو ما أوقفنا على باب الخيارات، ولذلك تجدنا أقرب لاختيار القهوة فإن نحن أعجبتنا أكملنا احتساء القهوة وإلا رفضنا الطعم وانتقلنا إلى غيرها حتى نشعر بالطعم المناسب لنا، ولن تقنع أحدهم تعود واستمتع بنوع معين في كوب محددة بتغييره رغم البساطة ولو عرضت عليه أجود أنواع البن العالمي لتغيير قهوته المغشوشة، فهي معشوقته لا غير، مع هذا النوع المحدد يشعر بالسعادة والنشوة المرجوة.

خيارات القهوة قد تبدو سهلة للكثيرين ولكن لعشاق القهوة تصبح رواية أخرى بالتفصيل وما هي الفروقات بين كل واحدة وأخرى من منشأ حبيبات البن الخضراء على سفوح جبال عدن إلى البرازيل وحتى أجود المحامص العالمية ورغم ذلك تجد من يقول "يا شيخ كلها فنجان قهوة على أيش الغلبة"، هكذا وببساطة.

خيارات القهوة هي كل خيارات العالم في بساطتها وتعقيدها، ومع نوع القهوة المطلوب قد يكتب أحدهم أجمل روايات العشق أو الملاحم البطولية أو يختتم أكبر القضايا تلخيصًا لجلسة القاضي في الغد، أو طاولة مفاوضات الحرب، وهكذا دواليك كل يرتب ويفاضل بين الأشياء.

ولذلك لا نستهين أبدًا ليس بالقهوة ولا بمن يحدثك عن عشقه للشاي أو فريق كرة قدم، أو نوع السيارة، ربما تبدو لك في البداية من السهولة أو التعقيد أو البعض يرى ذلك محض غباء، إلا أن الواقع يرفض هذه الروايات كلها ويتذكر صاحب الوله الأكبر للموضوع.

فئة أخرى ما يهمها هو البحث عن الأفضل دومًا ولا تخاف من التجربة ولذلك لديهم القدرة والجاهزية على التجربة ولكن عند الرشفة الأولى من الفنجان يقررون الاستمرار في احتساء القهوة أو التوقف، وليس معنى التوقف هنا الانقطاع بل البحث عن الأفضل، نعم يبحث عن مقهى أخر لصنف أخر، هؤلاء الذواقة هم في الغالب يعتمدون حواسهم للتحديد وهي مرهفة الحس تستطيع بأقل القليل تحديد جودة القهوة.

ومن القهوة إلى الحياة، فالغالبية العظمى تحتسي القهوة أو الشاي دون النظر إلى المنشأ والتفضيلات المعقدة إلا في بعض الخيارات، فأماكن العمل قهوة ولكن عندما تبحث عن وظيفة خاصة فهي قهوة خاصة، والجامعات كذلك، والتعليم عندما تطرق أبوابًا لم يطرقها غيرك أنها قهوة خاصة، وعندما تبحث عن شريك حياة بنفسك بمواصفاتك أنت هذه قهوة خاصة الخاصة، وهكذا نستطيع أن نستمر في تحديد الحدث مع القهوة، صباحية فيروزية أو مسائية كلثومية أو هادئة وربما صاخبة وربما مع صديق تتحول فيه أنت إلى طبيب نفساني رغم عدم تخصصك في هذا المجال.

وحتى نلتقى، اشربوا القهوة ولكن وأنتم ترتشفون الكوب تأكدوا بعد اليوم أنها ليست قهوة بل هي حياتكم وخياراتكم ربما تحتاج إلى قليل من السكر، وربما يصرخ أحدهم من بعيد السكر يفسد القهوة، وستبقى معشوقتكم المفضلة لأوقاتكم الرائعة على الأقل حتى ولو كانت تقدم في الأفراح والأتراح ففي نظركم هذه الحالة ليست لكم ما يهمّكم دائما هو متى انفردتم بها أعطتكم السمو الروحي والجسدي ولو لدقائق معدودة.

^الكاتب هو نائب رئيس بلدية رهط