انسحاب نحو حربٍ أخرى
9 نيسان 2024 | كتب: محمد السيد
لواء "ناحال" هو الوحيد الموجود في غزة، ويقتصر عمله على منع العودة إلى شمال القطاع، بينما كافة الألوية انسحبت من مستنقع غزة دون أن تتمكن من الوصول إلى الأسرى. كل الدمار الهائل في غزة من شمالها إلى جنوبها هو بفعل الضربات الجوية المكثفة المستمرة منذ نصف عام، وما الاجتياح البري إلا دخول لمناطق تم تسوية أغلب بيوتها وبناياتها بالأرض، ونزوح ساكنيها لتمشيطها بحذرٍ شديد، والأيادي على الزناد والموت يتربص في كل زاوية.
بالأمس انسحبت من خان يونس الفرقة 98 بعد أن أنهت مهامها، إذًا لا وجود على الأرض لجيوش جرارة تحتل غزة وتسيطر عليها، إنما هي اجتياحات موضعية لعملياتٍ تجري بغطاءٍ جوي وفق معلوماتٍ استخبارية لوجود أسرى إسرائيليين أو قيادات للمقاومة، لكن معظم المعلومات تحديداً فيما يتعلق بالأسرى لم تكن صحيحة.
انسحاب آخر لواء من القطاع وبقاء ذلك الذي وظيفته منع العودة إلى الشمال وتأمين ممر "نتساريم" الذي يقسم قطاع غزة إلى شطرين لا يعني بالضرورة أنَّ الحرب على وشك أن تضع أوزارها، بل بالعكس قد يكون الانسحاب مقدمة للتأهب لاجتياحٍ واسع لرفح خلال أيام، وإلا فإنَّ إسرائيل قد هُزمت رسمياً، ولجأت إلى مفاوضاتٍ لم تتوقف أصلاً بموازاة ضرباتها في غزة، مفاوضات ستسفر عن تحرير آلاف الأسرى الفلسطينيين مقابل الإفراج عن أولئك الإسرائيليين في القطاع، ووقف الغارات الجوية والإنسحاب الكامل.
الانسحاب الإسرائيلي من غزة الذي يترافق مع حديثٍ عن تقدم في المفاوضات وضغط دولي على إسرائيل ليس لوقف الحرب، إنما تجنب إيذاء المدنيين والسماح بدخول الغذاء، يبدو إقراراً بعدم القدرة على إنهاء المقاومة، وبهذا لم يحقق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من حربه سوى الخراب والدمار الذي حل بغزة، وكان ذلك الثمن لبقائه نصف عامٍ وربما أكثر إذا ما أخذنا فترة المفاوضات وتطبيق الاتفاقات على الأرض، ثم التوافق على موعد لانتخابات مبكرة.
هذا الإنجاز الذي حققه نتنياهو من حربه على غزة: الحفاظ على عرشه الذي كاد أن ينهار بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي لولا فزعة بنيامين غانتس وإنقاذه ليس حبًا فيه إنما ما يسمى "نداء الواجب" من جهة والتحضير لما بعد الحرب من جهةٍ أخرى، فالرجل أصاب وكسب الرهان لتتوجه استطلاعات الرأي رئيسًا للوزراء خلفًا لصاحب أطول حكم إنفضّ من حوله الكثير من المؤيدين إلا القطيع المُخلص الذي يُقَدِّس الشخص؛ إنهم اليهود العرب، فهؤلاء دائمًا مع الحاكم وبفضلهم تعززت قوة اليمين المتطرف في إسرائيل. نستنتج أن الحرب الإسرائيلية على غزة وحروب إسرائيل كلها ترتكز على الجو ثم البحر، وما البرية إلا لتنفيذ عملياتٍ محددة. اليوم وقبل الإعلان رسمياً عن وقف الحرب، تنسحب إسرائيل من قطاع غزة معترفةً بأنها لم تحقق أهدافها، وتتواصل حربها الجويَّة، وغدًا ستبدأ الحرب التي نعرف نتيجتها مسبقًا، حربٌ ستُنهي عصر ملك إسرائيل بنيامين نتنياهو الذي سيكافأ بالعزل والمثول أمام لجنة تحقيقٍ نتيجتها إسدال الستار على حقبته ومن معه من أمنيين، ناهيك عن استئناف محاكمته المتوقفة.
^الكاتب هو إعلامي وناشط سياسي